
منطقة نواذيب الحرة إنشأت بأرتجالية سنة 2013 واصبحت منذ ذلك التاريخ بؤرة لهدر المال العام والفساد وكان ينبغي إلغاؤها فهي لم تعد على البلد بأية فائدة لا اقتصادية ولا مالية وإنما كبدت الدولة خسائر مالية كبيرة كان يجب تخصيصها لمحاربة الفقر والتخلف
نحن كنا نأمل إلغاء فكرة المنطقة الحرة بنواذيب لكونها بؤرة للفساد وهدر المال العام بلا مردودية وسلطة موازية للسلطة الإدارية والبلدية عديمة الجدوى لكن النظام لا يبدو أنه يريد تغيير أي شيء من المفاسد فى البلد وإنما يراكم تلك المفاسدة حتى تصبح جبالا تعيق كل تقدم يراد للبلد إن فكرة إنشاء سلطة ومنطقة نواذيب الحرة جائت من طرف أشخاص ليسوا متخصصين فى المجال ولم تحظى بالدراسة الكافية عن جدوائيتها وبالتالي فقد كان ضرها اكثر من نفعها بل لا نفع فيها من الناحيتين الأقتصادية والمالية فالمدينة لم تحصل منها إلا على الآثار السلبية وتقرير الفضائح المالية والفساد من جرائها ملئت الصحف والمجلات والمواقع الإليكترونية ومن ذلك هذا التحقيق الذي نشرته بعض وسائل الإعلام ويتحدث عن فساد كبير فى إدارة وممارسة سلطة نواذيب الحرة
يؤكد تقرير لجنة برلمانية شُكلت بموجب المادة 11 من الأمر القانوني رقم 92-03 والقرار رقم 01 الصادر في 30 يناير/ كانون الثاني 2020، أن "سلطة المنطقة الحرة باعت في انواذيبو 30 ألف متر مربع بالمزاد العلني خلال الفترة من 2015 حتى 2018، وتشمل الممتلكات التي تم تفويتها (تحويلها لملكيات خاصة) على الخصوص، مركز مامادو توري (مدرسة التعليم التقني والتكوين المهني)، ودار الشباب ومباني إدارية عديدة، وساحات عمومية مختلفة، وساحة خالية تمت مصادرتها بحكم الواقع على حساب شركة مورتيل (أول شركة اتصالات تأسست في موريتانيا)".
بيع 60 ألف متر مربع من أراضي المنطقة السياحية دون دراسات جدوى
و"يظهر من خلال تحليل الظروف التي اكتنفت بيع هذه الأملاك العائدة إلى دومين الدولة (أملاكها)، العام أو الخاص، أن مخالفات كثيرة قد ارتكبت سواء كان من جانب اللجوء إلى مسطرة البيع بالمزاد العلني، أو من ناحية الظروف التي اكتنفت تحويل هذه العقارات إلى المستفيدين"، وفق تقرير اللجنة البرلمانية (تم تشكيلها للتحقيق في ظروف التنفيذ وإجراءات التسيير المتعلقة بـ11 موضوعا، منها التصرفات والوقائع التي قد تشكل مخالفات لقانون مكافحة الفساد).
الصورة
مخالفات في بيع 30 ألف متر مربع من عقارات انوذيبو (تقرير لجنة التحقيق البرلمانية)
وتم إنشاء المنطقة الحرة في انواذيبو في مطلع عام 2013 بموجب القانون رقم 001/2013 وفق استراتيجية متعددة الأبعاد تمتد على مدار ثلاثين عاما، على أن تكون العشرية الأولى للتأسيس، والثانية للانطلاقة، والأخيرة لبلورة النمو، حسبما يقول المدير العام للموارد بسلطة منطقة انواذيبو الحرة محمد ولد سيدي عمار، مضيفاً أن الأمر تطلب وضع مخطط يتمحور حول عرض عقاري تضمن تحديد منطقة صناعية بمساحة قدرها 480 هكتارا ومنطقة سياحية بطول 10 كيلومترات على الشاطئ. لكن "وقعت تجاوزات وخروقات قانونية في نظام العرض العقاري وتسيير أراضي المنطقة الحرة، نتيجة سوء وضعف الأداء الإداري خلال فترة التأسيس، وترتبط تلك التجاوزات بملف الفساد في حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز"، كما يقول سيدي عمار.
وبيعت أراض لـ 500 شركة وطنية و15 أجنبية، وفق تأكيد سيدي عمار، مشيرا إلى أن بعض تلك الشركات قدمت طلبات للحصول على قطع وبدل استغلالها في مشروع استثماري جرى عرضها للبيع عبر بيع الشركة المالكة لتتحول أصولها بما فيها القطعة الأرضية إلى ملكية المستثمر الجديد، مشيرا إلى أن التلاعب بملكية أراضي المنطقة الصناعية حصل من قبل نافذين في النظام السابق.
مخالفات اكتنفت تحويل العقارات في المنطقة الحرة إلى المستفيدين
و"من أمثلة هذه الأعمال المشبوهة الدالة على نوع التحايل الذي يطبع هذه العمليات، حالة شخص قدم تصريحا مفصلا في الثاني والعشرين من يونيو/ حزيران 2020، أكد فيه أن رئيس منطقة انواذيبو الحرة السابق اتصل به في عام 2015 في نواكشوط، وطلب منه أن يأذن له باستخدام اسمه لشراء القطع الأرضية (G2, G3, G14, H20) في انواذيبو وأنه سيحول هذه القطع من بعد إلى شخص آخر"، وفق تقرير لجنة التحقيق البرلمانية.
"وفي سياق عملية أخرى مشبوهة، حصلت شركة Societe Proteines d Afrique du Nord على القطع 47 و49 و50 ضمن عملية مزاد مزعومة، وبعد التحقق من الأمر، ظهر أن هذه القطع تشكل في الواقع ساحة عمومية ولم يتم بيعها بأي شكل من الأشكال"، حسب التقرير ذاته، الذي سلمته اللجنة البرلمانية إلى القضاء في نهاية يوليو 2020، وجاء فيه أن "حالات التواطؤ المسجلة أثناء أعمال التحقيق في بيوع مختلفة في انواذيبو، استفادت منها شركة SMIS SARL المملوكة لشخصية طبيعية من عائلة الرئيس السابق"، بحسب ما جاء في التقرير، وهو ما يعلق عليه الدكتور ديدي ولد السالك، رئيس المركز المغاربي للدراسات الاستراتيجية (مؤسسة مستقلة)، قائلا لـ"العربي الجديد": "المنطقة الحرة تم التلاعب بها من أجل الاستفادة من عائدات تجارة الأراضي في انواذيبو وليس العمل على جلب الاستثمارات الأجنبية ودعم التنمية الاقتصادية في البلاد في مقابل الإعفاءات الضريبية والمزايا الاستثمارية، ما يعد من أبرز مظاهر الفساد المستمر كوسيلة للثراء السريع".
هذا وتفيد معلومات مؤرشفة أن النظام باع النظام السابق 30 ألف متر مربع من المنطقة الصناعية لشركات استثمارية يفترض أنها ستعمل على إنشاء مصانع، لكن بدون تسجيلها لدى سلطة المنطقة الحرة، فضلاً عن بيع 60 ألف متر مربع من أراضي المنطقة السياحية بالمنطقة الحرة لشركات لم تقدم دراسات جدوى تبرر منحها تلك الأراضي التي تستفيد من حوافز الاستثمار بما في ذلك الإعفاء من الرسوم الجمركية والمعاملة الضريبية التفضيلية، كما يوضح سيدي محمد، الذي التقاه معد التحقيق قبل إقالته من منصبه، قائلا: "لا بد من إيداع دراسة الجدوى لأي مشروع استثماري لدى سلطة المنطقة الحرة في انواذيبو للنظر في حجم المساحة التي يحتاجها المستثمر بناء على طبيعة المشروع ونوعيته
كما منحت سلطات انواذيبو 30 قطعة أرض في المنطقة السياحية لمستثمرين، بهدف بناء فنادق وقرية سياحية وغيرها من المشاريع التنموية ذات الصلة بالقطاع، لكن تم بيعها وتغيير هدف تخصيصها إلى بناء عقارات سكنية على شاطئ البحر، وفق تأكيد سيدي عمار، مشيرا إلى أن أسعار البيع للمتر المربع الواحد في إجمالي المساحة التي وصلت إلى 24 هكتارا، تراوحت ما بين 1000 أوقية جديدة (26 دولارا أميركيا)، و3 آلاف أوقية جديدة (78 دولارا)، وقد يزيد السعر تبعا لقرب المسافة من البحر، وهو ما وثقه معد التحقيق بالصور عبر جولة ميدانية في التاسع من فبراير/شباط 2022، بالإضافة إلى إعلانات لسلطة منطقة انواذيبو الحرة في 11 مارس/آذار، وفي 18 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، عرضت فيه قطعا أرضية للبيع بهدف بناء إقامات ثانوية (منازل سكنية) في شاطئ كبانو، وهو ما يشكل خطرا محدقا قد يؤدي إلى تدمير الشاطئ والبيئة البحرية، كما يقول سيدي محمود، المستشار الإعلامي لعمدة بلدية انواذيبو، لـ"العربي الجديد"، مشيرا إلى أن المنطقة بسبب التلاعب بها لم تعد صالحة لإقامة مشاريع سياحية متكاملة، وأيضاً لم تعد من الناحية البيئية والبحرية صالحة لتكاثر الأسماك.
ويقول الدكتور ولد السالك، إن استمرار بيع قطع الأرض في المنطقة السياحية، هو إعلان من النظام الحالي على تحويل المنطقة السياحية إلى منطقة سكنية، بدلا من غرض تخصيصها الأساسي.
الصورة
إعلانات عن بيع أراض (العربي الجديد)
من المسؤول؟
"يُسأل عن بيوع عقارات المنطقة الحرة، النظام السابق" وفق مصادر التحقيق، ومنهم سيدي محمد، ويؤكد عضو لجنة التحقيق البرلمانية النائب محمد الأمين سيدي مولود لـ"العربي الجديد"، أن "البرلمان الموريتاني صادق بالإجماع على التقرير النهائي عن ملف الفساد وقدمته لجنة التحقيق لسلطة الادعاء العام"، وفي أواخر أغسطس/ آب الماضي أكدت النيابة العامة في بيان لها أن "ملف الفساد الذي يتهم فيه ولد عبد العزيز برفقة عدد من أركان حكمه ما زال مفتوحا"، وأن المتابعة القضائية بشأنه متواصلة ومستمرة.
"لم تستفد مدينة انواذيبو من المنطقة الحرة، إذ لم تحقق أهدافها، وعلى رأسها توفير فرص عمل تحد من بطالة السكان وخلق عائد اقتصادي للبلاد"، كما يقول الدكتور ولد السالك، مشيرا إلى أن مشروع منطقة انواذيبو الحرة ولد ميتا بفعل استمرار نهج الفساد، وعدم توفير المتطلبات الأساسية لإنجاحه والتكامل معه من موانئ وخدمات البنية التحتية اللازمة. وهو ما يؤكده سيدي محمد، قائلا إن تضييع الوقت، يعد كارثياً على أداء المنطقة الحرة واقتصاد البلاد خلال الفترة الممتدة من عام 2015 حتى 2022.
وتضيع فرص عديدة على الدولة والمستثمر المحلي بسبب بيع قطع الأراضي التي كان يفترض تخصيصها لمشاريع تنموية إلى مستثمرين أجانب يجنون أرباحا عبر إعادة بيعها بأسعار كبيرة بعد التلاعب بسبب تخصيصها، كما يوضح الخبير الاقتصادي الشيخ الصوفي، مدير مركز CFRCIA للتكوين والأبحاث (غير حكومي)، والذي قال لـ"العربي الجديد": "بيع أي قطعة أرضية في منطقة حرة لمستثمر وفق مخطط واضح لإنشاء مشاريع تنموية أمر إيجابي للاقتصاد الموريتاني، لكن لا بد من الالتزام بالشروط والضوابط، وأولها أن يكون المستثمر فاعلا نشطا على صعيد النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل وتطوير البنية التحتية للمنطقة، فضلا عن عملية ضبط أسعار القطع الأرضية بما يتناسب مع القيمة الحقيقية للأراضي وتفادي خطر التضخم، وربط حقوق الملكية بحجم رأس المال المستثمر وجدوى المشاريع المستهدفة، وهو ما لم تتم مراعاته، إذ استفاد هؤلاء من حوافز ومزايا، ومن بينها أسعار قطع الأراضي، دون تنفيذ المشروعات التي منحوا تلك الإعفاءات من أجلها، وبالتالي جرى استنزاف موارد الدولة دون مقابل"، مضيفا أن تضرر ميزانية الدولة أمر حتمي في حال كهذه، بحكم بيع القطع الأرضية مع إعفاءات ضريبية تحد من هامش الجباية أو تعدمه، في مقابل غياب الإنتاجية والنجاعة الاقتصادية لتعويض الخسائر المالية.