
شكا الصحافي الإسرائيلي، نير حسون، الذي نشر تقريراً الأسبوع الماضي احتوى على شهادات جنود وضباط منهكين في قطاع غزة، أنه يتعرّض لتهديدات بالقتل من أوساط يمينية متطرفة تتهمه بخدمة حركة «حماس».
لكن حسون أعلن بإصرار أنه سيواصل كشف الحقائق التي يخفيها القادة السياسيون والعسكريون، مشيراً إلى أن الدمار الذي لحق بمدينة رفح جنوب قطاع غزة يوازي الدمار الذي ألحقته القنبلة النووية الأميركية بهيروشيما اليابانية في نهاية الحرب العالمية الثانية. في حين دعت صحيفته «هآرتس» إلى الكف عن تجاهل ما ينفّذه الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين والعمل على تغيير هذا الواقع الرهيب.
وقال حسون، في ندوة «بودكاست» لصحيفة «هآرتس»، إن الحكومة تدفع بالجيش إلى إدارة حرب بلا هدف سياسي حقيقي أو واقعي، وتضطره إلى الحرب لمجرد الحرب.
أضاف أن الجيش، من جانبه، يدير هذه الحرب بأساليب وحشية رهيبة لا يتصورها عقل ولا تلائم أي قيم ليبرالية ولا تلتزم بقواعد الحرب والمواثيق الدولية. وكون الإعلام الإسرائيلي يخفيها عن أنظار الجمهور، فلا يمكن تبرئة أحد في إسرائيل من المسؤولية عنها، خصوصاً أن محكمة العدل الدولية في لاهاي كانت قد أصدرت قراراً تطلب فيه من إسرائيل وقف ممارساتها في رفح خلال شهر فبراير (شباط) 2024، وعادت وأصدرت قراراً أكثر حدة في مايو (أيار). وأثار القراران نقاشات كثيرة في إسرائيل.
وقال حسون إن ما جرى في رفح هو نموذج فقط. فقد تم تدمير بيت حانون وجباليا وغالبية البلدات في المنطقة الشمالية من قطاع غزة بالطريقة نفسها. وحسب تقارير دولية تم تدمير 80 في المائة من البيوت والعمارات في قطاع غزة، بشكل كامل أو بشكل لا يجعلها صالحة للسكن. ولا توجد عائلة من دون قتلى وجرحى. ودُمّرت البنى التحتية وكل المدارس والمستشفيات والجامعات وأُصيبت معظم المساجد والكنائس، وقُتل أكثر من 60 ألفاً، ويُعتقد أن العدد يمكن أن يصل إلى 100 ألف عندما تهدأ الحرب ويبدأ التحقيق في نتائجها. وأكد أن ضميره بوصفه إنساناً، وواجبه بوصفه صحافياً، وأخلاقه الدينية والثقافية، لا تسمح له أن يعرف هذه الحقائق ويسكت.
وسُئل ما الذي يقوله للمواطن الذي لا يعرف شيئاً عما يجري في غزة، ولذلك يهاجمه. فأجاب: «أقول له لا تصدقني. لا تصدق ما تنشره (هآرتس) ولا ما تقوله وسائل الإعلام الغربية أو العربية. لكن اذهب وافحص بنفسك. افتح (غوغل ماب) -(خرائط غوغل)- وقارن بين ما جرى في غزة وما جرى في اليابان في الحرب العالمية الثانية. أنا أقول لك إن الدمار الذي حصل في مدينة رفح وحدها، يفوق الدمار الذي أحدثته القنبلة النووية الأميركية التي أُلقيت على هيروشيما. افحص ذلك بنفسك»
وكان حسون، المعروف بتقاريره المهنية عن وضع الفلسطينيين في المناطق المحتلة وما يتعرضون له من عسف وتنكيل منذ سنوات طويلة، قد نشر في يوم الجمعة الفائت تقريراً أسمع فيه أصوات وشهادات جنود وضباط في جيش الاحتياط الإسرائيلي يخدمون في قطاع غزة خلال الحرب. وأظهرت رواياتهم كيف أنهم يتلقون أوامر تتيح القتل للأبرياء الفلسطينيين. وروى أحدهم أنه ورفاقه الجنود تذمّروا من هذه الأوامر بإطلاق الرصاص الحي على المواطنين الذين تدفقوا على مراكز الإغاثة التي تموّلها أميركا شمال غزة، وتساءلوا: «إذا كان
الغرض هو تفريقهم حتى نمنع الفوضى أو نمنع الهجوم علينا. فلماذا لا تعطوننا قنابل غاز مسيل للدموع أولاً. فأجابوا: لا حاجة إلى ذلك».
وشهد شاهد من أهلها على جرمهم
وروى الجنود كيف باتوا منهكين جسدياً ونفسياً من هذه الحرب. وكشفوا عن موبقات كثيرة تدل على الاستخفاف بحياة الناس وعدم التفريق بين رجالات «حماس» والأطفال الأبرياء والنساء والمسنين.
وقد لقي هذا التقرير أصداء هائلة، وتم اقتباسه في وسائل إعلام عالمية. وفي إسرائيل، زعزع التقرير كثيرين. وكالعادة، في أوساط اليمين لم يصدقوا، في حين أن من في اليسار شعروا بخجل، أما الذين في الوسط السياسي فقد تجاهلوا الذي ورد فيه. لكن نشطاء في اليمين المتطرف اختاروا، في المقابل، التحريض عليه وعلى صحيفته. وأعلن رئيس بلدية عراد، منع دخول هذه الصحيفة إلى مدينته (ثم تراجع عندما وجد أن تصرفه غير قانوني).
وقد نشرت صحيفة «هآرتس»، الجمعة، مقالاً افتتاحياً بعنوان «كفى للقتل الذي لا يتوقف»، قالت فيه إن «العقل لا يحتمل هذه الأعداد من الضحايا الفلسطينيين التي أصبحت يومية».
وقالت: «كل شيء في غزة يصرخ لوقف الحرب فوراً. عديمة الجدوى، عديمة الأهداف ووحشية جداً. من الواجب إنهاء هذه الحرب بكل ثمن تقريباً. الدم في الطرفَيْن يُسفك عبثاً، ولم يعد أحد يخرج رابحاً من هذا. اختبار الزعيم أو القائد العسكري ليس فقط في قرار الخروج إلى الحرب. لا يقل عن هذا اختبار الزعامة في وضع حد للحرب في التوقيت السليم. وعشية سفر رئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو) إلى واشنطن، عليه أن يحمل الحرب في غزة إلى منتهاها».