
العدل يقتضي منع الغبن ومصطلح الغبن معروف وهو من أخطر المظاهر المجتمعية على البشرية حيث يولد الضئينة ويزرع الفتن ويخل بالتماسك الإجتماعي وكان الناس فى عهد الدولة الإسلامية الأول لايعرفون الغبن الحاصل فى أيامنا هذه أو لايقبلون بشيء منه داخل المجتمع الإسلامي الحديث لذلك أنكر سلمان الفارسي على عمر لبس بدلة كاملة وهي قفطان وعباية كالذي ترون سكان الخليج يلبسونه اليوم فقد جاء فى الأخبار الصحيحة عن الصحابة أن عمر بن الخطاب جائه ثياب يقسمها على الصحابة فرأى أنها لا تكفي الناس إذا وزعت بدلة كاملة عليهم فقسمها نصفين فكان يعطي قميصا لرجل وعباية لرجل ولما كان يوم الجمعة وقف على المنبر فى الخطبة فقال أيها الناس اسمعوا وأطيعوا فقال سلمان الفارسي لانسمع ولانطيع فقال عمر لم يا أبا فلان كناه بكنيته فقال سلمان لأنك بالأمس وزعت علينا نصف بدلة وأنت اليوم تلبس واحدة كاملة فقال عمر يا عبد يا عبد الله فلم يتكلم أحد لأن المسجد يوجد به الكثير من هذه الأسماء فقال فى الثالثة يا عبد الله بن عمر فقال لبيك يا أمير المؤمنين فقال له عمر أنت أعطيتني نصف لبستك هذه قال نعم فقال سلمان الفارسي الآن سمعنا وأطعنا ، تدل هذه الحادثة على عدم وجود الغبن فى صدر الدول الإسلامية الأول لذا كان الفقه يتكلم فقط عن الغبن فى البيع وورد فى القرآن العظيم الكثير من الآيات فى ذلك مثل ويل للمطففين ، وقصص القرآن عن شعيب عليه السلام هذا وقد حرم الإسلام الغبن بجميع أنواعه ، وإليكم بعض المباحث حول الموضوع ومنها الغبن لغة وأصطلاحا :
يقال: غَبَنَه في البيع والشراء ونحوه، غَبْنًا؛ أي: نَقَصَه في الثمن أو غيره، والغَبْن في البيع والشراء: الوَكْسُ والنقص (الصحاح - لسان العرب - المصباح المنير).
2 - عند الفقهاء:
كون أحد البدلين في عقد المعاوضة لا يكافئ الآخر في قيمته، كما لو اشترى سلعةً بألفينِ وقيمتُها في السوق ألف. (علي الخفيف، مختصر أحكام المعاملات الشرعية، القاهرة 1949، ص 148/ 149).
3 - في القانون:
يعرفه البعض بأنه: "عدم التعادل بين ما يعطيه العاقد وما يأخذه" (السنهوري، نظرية العقد، القاهرة 1934، ص 446)، وتدور التعريفات الأخرى حول هذا المعنى.
والغَبْن اليسير لا تخلو منه معاملة، وقد جرى العُرفُ على التسامح فيه، أما الغَبْن الفاحش: فهو الذي تدخَّل المشرِّع لتنظيمه؛ لأنه يشكِّل خطرًا من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية.
والمراد من الميزان تشريع العدل، وإعطاء المستحقين حقوقهم، والنهي عن الطغيان والظلم، والعدل في التجارة والمعاوضات المالية: التساوي، أو مقاربة التساوي في الحقوق والواجبات، ومن صور ذلك منع التغابن في المعاوضات، الذي انتشر بشكل واسع في عصرنا بسبب سيطرة المال على النفوس، والسعي لتحقيق الربح السريع دون قيد أو شرط، وتأتي هذه الدراسة تأكيدًا لأهمية منع التغابن في الفقه الإسلامي بضوابط وقواعد علمية لا شطط فيها ولا وكس، وستكون خطة الدراسة على النحو الآتي:
المطلب الأول: تعريف الغبن.
المطلب الثاني: أنواع الغبن.
المطلب الثالث: أسباب الغبن.
المطلب الرابع: أحكام الغبن الفاحش.
المطلب الخامس: مكافحة التضخم.
وأخيرًا: النتائج والتوصيات.
تعريف الغبن:
الفرع الأول: الغبن لغةً: الغَبْن بالتسكين: في البيع، والغَبَن بالتحريك: في الرأي، وغبنت رأيك؛ أي: نسيته وضيعته، وغبن الشيء وغبن فيه غبنًا وغبنًا: نسيه وأغفله وجهله، والغبن: النسيان، غبنت كذا من حقي عند فلان؛ أي: نسيته وغلطت فيه، وغبن الرجل يغبنه غبنًا: مر به وهو ماثل فلم يرَه ولم يفطن له، والغبن: ضعف الرأي، يقال: في رأيه غبن، وغبِن رأيه بالكسر إذا نقصه، فهو غبين؛ أي: ضعيف الرأي، وفيه غبانة، وغبن رأيه بالكسر غبنًا وغبانةً ضعف[1].
إذا ثبت هذا، فإن الغبن لغةً يدل على المعاني الآتية:
أ - النسيان والضياع.
ب - الغفلة والجهل.
ج - الغلط.
د - عدم الرؤيا.
هـ - ضعف الرأي.
و - النقص.
الفرع الثاني: الغبن اصطلاحًا: مبادلة الشيء السليم بأقل أو أكثر من قيمته الحقيقية لسبب ما.
يؤكد التعريف على الحقائق الآتية:
1 - العدالة التي تقوم عليها المعاوضات في الفقه الإسلامي تقتضي التساوي أو مقاربة التساوي في العِوَضين، فأي زيادة أو نقص في قيمة الشيء السليم غير المعيب - سواء أكان عينًا أو منفعةً أو خدمةً - إن كانت من عادة السوق فلا تعد غبنًا، ولا أثر لها في الفقه الإسلامي، وإن كانت لسبب يعود إلى المتعاقدين - كالجهل، أو الغلط، أو الغش، أو غير ذلك من الأسباب - فهي غبن، وقد تكون يسيرة، وقد تكون فاحشة، وأحد العاقدين يكون غابنًا، والآخر يكون مغبونًا، والخدعة هي جوهر ومناط الغبن[2].
2 - القيمة الحقيقية للسلعة أو الخدمة هي مجموع تكلفة السلعة، مضافًا إليه هامش الربح، وكذلك ثمن المثل، والثمن المسمى هو الذي يسميه العاقدان، سواء أكان مساويًا أو ناقصًا أو زائدًا عن القيمة الحقيقية، فإذا زاد أو نقص عن القيمة الحقيقية، وكان ذلك لسبب في أحد المتعاقدين، كان غبنًا، وقد يكون يسيرًا، وقد يكون فاحشًا، والقيمة ما قوم به الشيء - بمنزلة المعيار - من غير زيادة ولا نقصان[3].
3 - التمييز بين خيار العيب وخيار الغبن، وإن كان كل منهما مخلاًّ باقتصاديات العقد.
الفرع الثالث: العلاقة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي:
يتبين لنا بوضوح ما يلي:
1 - اللغة العربية تتميز بالدقة في اختيار ألفاظها، ومن ذلك لفظ الغبن؛ حيث دلَّ على معناه كاملاً من حيث الأسباب والمحل والأثر، وهذا دور اللغة كمصدر مهم من مصادر المعلومات، مما يعطي المتلقيَ تصورًا كاملاً عند سماع اللفظ، ويسهل على الفقيه عملية التوصيف، ويأتي دور الفقه في بيان الأحكام، وهذا هو التناسق والتكامل بين اللغة والفقه؛ ولهذا اشترط في الفقيه أن يكون عالِمًا باللغة العربية وأساليبها في البيان.
2 - المعنى اللغوي للغبن أعم وأشمل من المعنى الاصطلاحي؛
فى موريتانيا الغبن هو السائد فى كل شيء حتى فى فحوص كورونا عندما تنظر الى جدول الفحوص اليومي تجد ولاية نواكشوط الغربية التى هي عبارة عن تفرغ زينه ولكصر التى تضم اغنى ساكنة البلد تجد نسبة الفحوص فيها تتجاوز التسعين بالماءة من جميع الفحوص اليومية بينما الولايات الاخرى قد يموت الناس فيها دون فحوص هذا مجرد نموذج للغبن الساءد فى بلادنا
نموذج من عدالة الخلفاء الراشدين
كان علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- آخر الخلفاء الراشدين الأربعة الذي اختُتمت به فترة الخلافة الراشدية، حكم علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- على نهج من سبقه من الخلفاء الذين حكموا على سنة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- فعدل بين الناس وفرَّق بين الحق والباطل، ومن أشهر قصص عدل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قصته مع الرجل اليهودي الذي كان يحمل درع علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- فلمَّا طالب علي اليهودي بالدرع ادعى اليهودي أنَّ الدرع له، فذهبا معًا إلى قاضي المسلمين، فطلب القاضي -وكان اسمه شريح- من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- بينة تؤكد أن الدرع له وليس لليهودي، فجاء علي بشاهدين وهما مولاه واسمه قنبر وابنه الحسن، فرفض القاضي شهادة الحسن فشهادة الابن لا تصح في الإسلام، وقضى لليهودي على حساب أمير المؤمنين، فذهل اليهودي من عدالة علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وأسلم في لحظته، رضي الله عن علي بن أبي طالب وعن الخلفاء الراشدين والصحابة أجمعين، فلم تكن في الأرض عدالة أكبر وأعظم من عدالة الخلفاء الراشدين الذين جسَّدوا حديث رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- خير تجسيد ومثلوا سنته خير تمثيل والله تعالى أعلم.[٦]