
رغم مرور أكثر من 230 يوماً من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تواصل المقاومة الفلسطينية تحقيق مكاسب على الأرض واستنزاف جيش الاحتلال الإسرائيلي، على الرغم من ادعاءات الأخير بتمكنه من القضاء على كتائب حركة حماس العشرين المنتشرة في القطاع من شماله إلى جنوبه.
وكشفت تحليلات عسكرية إسرائيلية كيف استمرت المقاومة الفلسطينية من تكبيد جيش الاحتلال خسائر فادحة خلال الأسابيع الأخيرة، بعد أن كان الاحتلال يراهن على عامل الوقت لاستنزاف المقاومة، لكن ما حصل هو العكس، ونجحت المقاومة في استنزاف الاحتلال بشهادة خبراء إسرائيليين.
رغم الرقابة الإعلامية العسكرية الصارمة ما تنفكّ وسائل الإعلام الإسرائيلية عن نشر التقارير اليومية القادمة من الميدان في غزة، والتي تكشف صعوبة ما يواجهه جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي هناك في ظل معارك ضارية مع المقاومين، ومواجهات من مسافة صفر، ووجهاً لوجه.
وأسفرت المواجهات مع المقاومة الفلسطينية في شهر مايو/أيار لوحده عن سقوط العشرات من القتلى والجرحى الإسرائيليين، مما نبّه الاحتلال إلى حقيقة عمل جاهداً على إخفائها، وهي أن "حماس ما زالت بخير".
وانصب اهتمام الخبراء الإسرائيليين مؤخراً على "كشف حساب" لإخفاقات جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة، لاسيما خلال الأسابيع الأخيرة، ودعوا لضرورة إيجاد خطة "انسحاب آمن" للجيش من غزة، أو إعادة تموضع قواته هناك، خشية بقائها صيداً سهلاً أمام قناصة حماس ومقاتليها.
ولعل أبرز من دعا لذلك رون بن يشاي محرر الشؤون العسكرية بصحيفة "يديعوت أحرونوت"، والجنرال يسرائيل زيف الرئيس السابق لشعبة العمليات في جيش الاحتلال الإسرائيلي، والجنرال يتسحاق بريك مفوض الشكاوى السابق في الجيش الملقب بـ"نبي الغضب" الذي تنبأ بهجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
ولعل ما يوضح ذلك أكثر ما أبرزته العناوين التي تصدرت الصحف ونشرات الأخبار الإسرائيلية، وجاءت بعض الأمثلة على النحو التالي:
– "حماس تحضّر لنا "كميناً" في رفح، واجتياحها سيكون "الفخ" الذي ينتظرنا.
– إسرائيل تقف عاجزة أمام طوفان غزة الرهيب، وتبدو متلعثمة كالعادة.
– حرب غزة تنقلنا من فشل إلى فشل، وتكلّفنا أثماناً باهظة دون جدوى.
– وقف حرب غزة أول الطريق لإصلاح أخطاء "الجوقة الفاشلة".
– "لا نصر مطلق"، حماس باقية، وقادتنا فاشلون.
– أين وحدات النخبة والطرادات والدروع والمدفعية أمام مقاتلي حماس؟
استنزاف جيش الاحتلال الإسرائيلي
آخر المواجهات التي كشفت عنها المقاومة الفلسطينية ما تمثل في معارك جباليا شمال قطاع غزة، التي أسفرت قبل يومين عن قتل وإصابة وأسر عدد من جنود الاحتلال.
فيما التقط هؤلاء صوراً من رفح لصواريخ المقاومة التي انطلقت من بين الدبابات الجاثمة على أراضيها وهي تدكّ تل أبيب وغوش دان وسط إسرائيل، وكأن الترسانة الصاروخية التي تحوزها الحركة لم تتأثر، رغم إطلاقها لعشرات آلاف الصواريخ خلال الشهور الثمانية الماضية.
ويؤكد ذلك أن حركة حماس نجحت في استدراج جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى حرب استنزاف حقيقية دامية، طالما حذر منها العسكر الإسرائيليون، لأنهم يعلمون أن التورط في مستنقع غزة سيكلفهم ما لا طاقة لهم به من الخسائر.
وكان واضحاً منذ البداية أن الاحتلال لم يحضّر جيداً جيشه على الاجتياح البري إلى غزة، بدليل أن حماس استعدت جيداً لاستهداف جنوده عند اقترابهم من الأحياء السكنية بالقنابل والتفجيرات والعمليات الاستشهادية، كما سعت لـ"تلغيم وتفخيخ" الأرض والمنازل بالقنابل والمتفجرات.
لكن محاولة الجيش إيقاع الهزيمة بحماس، واستعادة ردعه المفقود أمامها، غالباً ما اصطدمت بحائط صدّ أقامته الحركة، وبالتالي عدم ظهور أي مؤشرات على انكسارها، ما يعني اعترافاً إسرائيلياً بصعوبة إخضاعها، وهو ما أكده خبراء وجنرالات إسرائيليون.
لقد جاءت ذروة الاعترافات الإسرائيلية بنتائج آخر استطلاع للرأي بين الإسرائيليين كشفت أن غالبيتهم يعتقدون أن حماس خرجت منتصرة حتى الآن من الحرب، وعدم قدرة جيش الاحتلال الإسرائيلي على انتزاع تنازلات منها للإفراج عن المختطفين لديها.
ويأتي ذلك وسط اتساع رقعة المظاهرات الأسبوعية للإسرائيليين التي تطالب بوقف الحرب وإبرام صفقة تبادل مع الحركة، مما يؤكد أن المجتمع الإسرائيلي لم يعد لديه مزيد من طاقة التحمل، بل الانكسار أمام ضربات المقاومة