
يقول كاتب : هي حقلٌ من حقول المعرفة ينظر في وجود الإنسان اليومي، ومشكلاته وهمومه وتساؤلاته، وأفعاله وإنجازاته، واختياراته وقراراته، وحيراته ونوباته، وصولاته وجولاته في معترك الحياة. إنّه حقل الفلسفة التطبيقية العملانية التي لا تُغرق في التجريد والتعريف والتعقيد. من المعروف أنّ هذه العمليات الفكرية ضرورية من أجل استقامة النظر وصوابية الاستنتاج، لا سيما التجريد الذي يساعد على التعريف. ذلك بأنّ العقل الفلسفي لا يكتفي بمعاينة الظاهرة العينية الحسّية الفردية، كظاهرة موت هذا الإنسان أو ذاك، بل يتناول مسألة الموت بحدّ ذاتها، ويسعى إلى تجريدها من ارتباطاتها بالحدث الفردي، أي إلى نزع العناصر والتفاصيل والقرائن والسمات والمميزات والخصائص التي تصاحب موت هذا الإنسان. إلّا أنّ مشكلة الفلسفة تنشأ في وعي الناس من المغالاة في التنظير الذهني المحض بحيث تصبح الكلمات التي يستخدمها كلُّ فيلسوف على حدة صعبةَ الإدراك، ثقيلةَ الوقع على الآذان، يستهجنها وينفر منها كلُّ الذين يبحثون عن بساطة الانسلاك في مجرى الحياة العفوي.
خلافاً للفلسفات النظرية المعقّدة، كفلسفات العلوم وتأصيل النظريات المعرفية (الإبّيستِمولوجيا)، وفلسفات الوعي والتصوّر والإدراك، وفي مقدّمتها الفِنومِنولوجيا أو الفيمياء التي تبحث في علاقة الوعي بالظواهر المتجلّية أمام نظر الإنسان، وفلسفات اللغة التي تبحث في علاقة الفكر بالكلمات وتتحرّى عن شروط صوغ المعنى وقرائن استقامة التعبير، تفضّل الفلسفة التطبيقية العملانية أن تساعد الإنسان على العيش عيشاً هادئاً، مريحاً، سعيداً، في حدود الإمكانات التي يحملها كيانُه الجسدي النفسي الروحي، وأيضاً في مراعاة الواقع الزمني التاريخي الذي ينسلك فيه حتماً.
الفلسفة بين تطبيق وتجريد
ومن ثمّ، يسأل المرء هل تخاف الفلسفة التطبيقية من الخوض في دقائق التحليلات النظرية الشائكة، أم إنّها تنتقد في الفلسفة التجريدية ابتعادَها عن مشكلات الناس وهمومهم وتساؤلاتهم؟ هل التبسيط خيانةٌ والتعقيد أمانةٌ؟ من المفيد التوقّف عند مثال يبين اختلاف التناول والتحليل والاستنتاج بين الفلسفات التطبيقية والفلسفات التجريدية. أقترح على القارئ أن ينظر في مسألة تحليل البنى الأساسية التي يقوم عليها اختبارُ الوجود الإنساني الفردي، فيعاين اختلافَ المقاربات بين فيلسوف الإغراق التجريدي مارتِن هايدغر، والفلاسفة الوجوديين الحريصين على إمتاع الناس بعبَر التفكّر الفلسفي وأمثولاته. أعود إلى مسألة الموت الفردي. حين يتناول الوجوديون على سبيل المثال حدث الموت، فإنّهم يجتهدون في تحليل مشاعر الخوف والارتعاد والشكّ والعبث التي تسيطر على الإنسان القريب من موته، وعلى الإنسان الذي يشاهد موت الآخر. أمّا التحليل الذي يقترحه هايدغر، فإنّه يجرّد الموتَ من عناصر الحدث الفردي ومن الاختبارات الشعورية التي تصاحبه، فيتناوله في ذاته ويجعله بنيةً مجرّدةً من بنى الإنسان الباحث عن معنى الكائنات، أو بالأحرى عن معنى كينونة الكائنات كلّها. ومن ثمّ، يجد هايدغر نفسه مُضطرّاً إلى استخدام اصطلاحات مجرّدة كالمقذوفية والزوالية والمائتية، وفي ذهنه أنّه يريد أن يصف الموت وصفاً يجعله أقصى الإمكانات المنصوبة أمام الإنسان، وأن يساعد الإنسان على تلمّس معنى كينونة كلِّ الكائنات بالاستناد إلى بنية المائتية في الإنسان. فالموت، بحسب هايدغر، يتيح لنا أن نفهم معنى كينونة الكائنات بارتباطها بمجرى الزمان، إذ إنّ الموت يُنهي إمكانات الإنسان المرتسمة في أفق زمنه الوجودي. وعليه، يصبح الإمكان الذي يمنحه الزمان للكائنات هو معنى الكينونة التي تتشارك فيها عناصرُ العالم كلّها، من جماد ونبات وحيوان، وفي الطليعة الكائنُ الإنساني الحي الذي يتميز بوعيه المتطلّب. من جرّاء هذا كلّه، يسمّي هايدغر مقاربته تحليلاً وجودانياً (existenzial) ينظر في بنى التأصيل التي تصيب عمق الكيان في الإنسان، في حين أنّ الوجوديين يكتفون بتحليل وجودي (existenziell) يتحرّى عن انفعالات الكائن الإنساني في جميع أبعاده الجسدية النفسية الروحية.
مشير باسيل عون من لبنان
أما موقع موضوع فقد جاء فيه :
الفلسفة تعرف الفلسفة لغةً بأنها كلمة مشتقة من اللغة اليونانية وأصلها فيلاصوفيا، وتعني محبة الحكمة، أما معناها الاصطلاحي فقد تفرّق العلماء فيه، حيث عرّفها أرسطو بأنها العلم النظري بالأسباب الأولى والمبادئ، في حين أنّ ابن رشد عرّفها بأنها النظر في الموجودات، والاستدلال بها على الصانع، ولا بد من الإشارة إلى أنّها فعلٌ فكري مرتبطٌ بجميع الجوانب الاجتماعية، والفردية، الأمر الذي يجعلها وثيقة الصلة بحياة الإنسان التربوية، حيث تجمعها بتربية الإنسان علاقةٌ وثيقة تعكس أهميتها على حياة الفرد، وأسلوبه، وهذا ما سنعرفكم عليه في هذا المقال. أهمية الفلسفة أهمية الفلسفة للفرد تنمّي القدرات والمهارات عند المتعلم. تقوّي السلوك العقلاني المنظم في الحياة النفسية، والاجتماعية، والفكرية، والدراسية للمتعلم، وتعززه. تعزز امتلاك الثقافة الفلسفية والعلمية والقدرة على التعبير الدقيق، واليقظة الفكرية المنطقية والصارمة، والمراقبة الذاتية خلال الحوار الفلسفي والتعبير والتفكير. تنمّي القدرة على مواجهة المشاكل، وإيجاد الحلول وبرهنتها. تزيد القدرة على الفهم، والاستدلال الصحيح، والقراءة، والتعبير. تنمّي القدرة على التركيب، والتنظيم، والتحليل، والتصنيف، والتعليل. تنمّي وعي المتعلم لمحيطه وذاته. تنمّي القدرة على إصدار الأحكام، والنقد، واتخاذ المواقف. تعرّف الفرد على التراث الفلسفي الإنساني، وتزيد قدرته على التجاوب معه. توعّي الفرد بمبادئ حقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية، وتمثلها، وتساهم في الدفاع عنها. تزيد معرفة الفرد بالصراع الإيديولوجي والثقافي السائد في العالم، وتساعد على التعامل معه بإيجابية. تزيد معرفة الفرد بالنظم الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية. تمثّل الدفاع عن القيم العليا، كالحرية، والحق، والعدل، والتسامح. تمكّن معرفة سبل الحق واكتشافها والالتزام بها، إضافة إلى اكتشاف مزالق الباطل والشر، ومحاولة تجنبها. تمنح الفرد القدرة على احتواء العنف الفكري، وتوجيهه نحو صلاح المجتمع والفرد والإنسانية. تمثل قيم التسامح الديني، والفكري، والحضاري، وتزيد القدرة في الاعتماد على أسلوب الحوار أثناء التعامل مع الآخرين. أهمية الفلسفة للمجمتع تزوّد المجمتع بمبادئ، وأصول، وغايات النظام الاجتماعي والتربوي اللذين يحكمان المجمتع، والحياة الاجتماعية فيه. تعتبر مصدراً للمنظومة التربوية التي تتكون من المدرسة، والأسرة، والمجتمع التي تستمد مناهجها، ومبادءها، ومادتها، وغاياتها، وأهدافها من فلسفة المجتمع خاصةً وفلسفة الحياة عامةً. تنشئ أفراد المجتمع نشأةً اجتماعية، عن طريق تربية الأطفال، وتثقيف الأفراد بشكلٍ مستمر، وبذلك يعي الفرد وجوده الاجتماعي، والذاتي معاً. تعرّف الفرد على الأصول الفلسفية للثوابت الوطنية. توعّي التلاميذ بحقوقهم وواجباتهم في المجمتع، مثل واجبات المواطنة، وتنظيم المجتمع. تمنح القدرة على التكيّف والمساهمة في تغيير المجمتع، علماً أنّ أي تغيير في المجتمع مبنيٌ على أسس فلسفية. تزيد قدرة الفرد على تمثيل نظام وقيم مجمتعه. تكشف مشكلات المجتمع، وتساعد في حلها، كونها تعمق وعي الفرد، وتزيد قدرته على معرفة المشكلات، ثمّ كيفية التفاعل معها، والتعاون على حلها. مشكلات الفلسفة الجهل والأمية، حيث تجهل عامة الناس حقيقة الفلسفة من ناحية موضوعاتها، وأهدافها، وأصولها، ومناهجها. وتصفها بصفات خاطئة والعزوف عنها، كوصفها بأنّها غير متصلة بالواقع المعاش، وأنّها عديمة الجدوى في الحياة العملية، أو أنّها معقدة، وعسيرة، وصعبة، وتشكّل خطراً على الدين.
هذا من جهل الناس بالفلسفة فهي أعظم سند للدين وكثير من الكفار دخلوا فى الدين عن طريق الفلسفة