البنك الدولي يدق ناقوس خطر الفقر فى العالم وإفريقيا هي الأكبر متضرر فى العقد القادم

سبت, 11/14/2020 - 12:03

ثمة حاجة ماسة إلى اتخاذ إجراءات سريعة ملموسة ومهمة في مجال السياسات العامة

سيؤدي الصراع وتغير المناخ إلى تكلفة بشرية واقتصادية هائلة. ويظهر تقرير الفقر والرخاء المشترك 2020 أن الهدف المتمثل في خفض معدل الفقر المدقع العالمي إلى أقل من 3% بحلول عام 2030، وكان بالفعل معرضا للخطر قبل تفشي الجائحة، أصبح الآن بعيد المنال إذا لم تُتخذ إجراءات سريعة مهمة وملموسة على صعيد السياسات العامة.

إننا أمام لحظة غير عادية في الأزمة الحالية، إذ لم يسبق أن أصبح أي مرض خطرا عالميا بهذه السرعة مثل فيروس كورونا. ولم يسبق أن شهد العالم كذلك ارتفاع نسبة أشد الناس فقرا التي تعيش في أقاليم وبلدان متأثرة بالصراعات على هذا النحو غير المتناسب. وتشهد أنماط الطقس العالمي تغيرات غير مسبوقة بسبب النشاط البشري.

تقول لمباو: "نحن نبكي ونسعى للحصول على المساعدة." إن كيفية استجابة العالم لهذه التحديات الرئيسية اليوم سيكون لها تأثير مباشر على ما إذا كان من الممكن تغيير اتجاه الانتكاسات الحالية في الحد من الفقر حول العالم وما إذا كان الملايين مثل لمباو وأسرتها وجيرانها لديهم فرصة ذهبية لتحقيق إمكاناتهم وتطلعاتهم.

ويجب أن يأتي إنقاذ الأرواح واستعادة سبل كسب الأرزاق على رأس الأولويات المباشرة. وقد تم بالفعل تنفيذ بعض السياسات اللازمة لتحقيق ذلك، مثل أنظمة الحماية الاجتماعية. فعلى سبيل المثال، قامت البرازيل وإندونيسيا بتوسيع نطاق برامج التحويلات النقدية القائمة.

تدعم مجموعة البنك الدولي البلدان المعنية في جهودها الرامية إلى إنقاذ الأرواح وسبل العيش على المدى القصير وضمان التعافي المرن على المدى المتوسط والطويل. وقد زادت مجموعة البنك الدولي من دعمها للمناطق التي يتزايد فيها تركّز الفقر، وتنتشر فيها الصراعات المسلحة على نحو غير متناسب؛ ويواجه عدد كبير من السكان مخاطر شديدة مرتبطة بتغيّر المناخ، من السيول والفيضانات إلى أسراب الجراد.

وفي هذا الصدد، قال رئيس مجموعة البنك الدولي ديفيد مالباس "نحن نعمل على معالجة العديد من المشاكل الملحة، بما في ذلك الدعم الغذائي، والربط الرقمي، وتحقيق الإنصاف في الحصول على أجهزة التشخيص والعلاجات واللقاحات المتصلة  بفيروس كورونا." وبينما نتطلع إلى ما هو أبعد من الاستجابات الفورية للجائحة، ينبغي لواضعي السياسات الانتباه للتحديات الإنمائية الأوسع نطاقا.

يمكن استخلاص الدروس من إجراءات الطوارئ والتنمية طويلة الأجل

وبالرغم من أهمية التصدي لفيروس كورونا، لابد أن تواصل البلدان العمل على تذليل العقبات القائمة التي تحول دون استمرار الحد من الفقر.

ويعرض تقرير الفقر والرخاء المشترك 2020 توصيات بشأن اعتماد نهج تكميلي ذي مسارين: الاستجابة بفعالية للأزمة الملحة على المدى القصير مع الاستمرار في التركيز على مواجهة مشاكل التنمية الأساسية، بما في ذلك الصراعات وتغير المناخ.

1. سد الفجوات بين تطلعات السياسات وتحقيقها

في كثير من الأحيان، توجد فجوة واسعة بين السياسات كما تتوخاها الحكومات من جهة، وتنفيذها في الواقع العملي من جهة أخرى، وبالتالي بين ما يتوقعه المواطنون بحق وما يواجهونه يوميا.

ويمكن أن تكون التطلعات التي تتوخاها الحكومات في السياسات جديرة بالثناء، ولكن من المرجح أن يكون هناك تباين كبير في مدى إمكانية تحقيقها، والفئات التي تستفيد منها. فعلى سبيل المثال، على المستوى المحلي، قد لا تتمكن الفئات الأقل تأثيرا في المجتمع المحلي من الحصول على الخدمات الأساسية.  وعلى الصعيد العالمي، ستتجلى المخاوف المتصلة بالاقتصاد السياسي في ما تحصل عليه الدول الغنية والفقيرة من الإمدادات العالمية المحدودة من الأجهزة الطبية. ومن الأهمية بمكان بلورة إستراتيجيات تنفيذ يمكنها أن تستجيب بسرعة ومرونة لسد الثغرات.

2. تعزيز التعلُّم وتحسين البيانات

مازلنا لا نعرف الكثير عن فيروس كورونا. وقد طغت السرعة والنطاق اللذان أثرا على العالم على أنظمة الاستجابة في البلدان الغنية والفقيرة على حد سواء. وكثيرا ما تأتي الاستجابات المبتكرة من المجتمعات المحلية والشركات التي قد تكون لديها فكرة أفضل عن المشاكل التي ينبغي أن تحظى بالأولوية وقد تتمتع بشرعية محلية أكبر لبيان القرارات الصعبة وتطبيقها مثل متطلبات البقاء في المنزل. وكلما تعلم الجميع من بعضهم بعضا بشكل أسرع، عمت الفائدة على الجميع.

فعلى سبيل المثال، تعزى استجابة جمهورية كوريا التي لاقت استحسانا على نطاقا واسع في مواجهة فيروس كورونا في جانب منها إلى الجهود الجدية للتعلم من "تجربتها المؤلمة" عند التصدي لفيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية في عام 2015.

3. الاستثمار في التأهب والوقاية

ربما بدا تكرار استخدام المثل القائل "درهم وقاية خير من قنطار علاج" أمرا مبتذلا، لكن في اللحظة الحالية من المؤكد أن العالم يتعلم هذا الدرس مرة أخرى، لكن بالطريقة الصعبة. وغالبا ما تكون المنافع السياسية للتدابير الوقائية متدنية، إذ لا يتصدر دورها في تفادي الكوارث عناوين الأخبار كما كان منتظرا. ومع مرور الوقت، يمكن للسكان الذين لا يعانون من الكوارث أن يشعروا بالرضا عن أنفسهم، على أن يُفتَرضوا أنهم قد تجاوزوا هذه المخاطر أو أن بإمكانهم التصدي لها بسهولة إذا حدثت.

ويذكرنا تفشي فيروس كورونا، إلى جانب تغير المناخ والصراعات الدائمة، بأهمية الاستثمار في تدابير التأهب والوقاية على نحو شامل واستباقي.

4. توسيع نطاق التعاون والتنسيق

يتطلب الإسهام في المنافع العامة والحفاظ عليها تعاونا وتنسيقا على نطاق واسع. وهذا أمر بالغ الأهمية لتشجيع التعلّم على نطاق واسع وتحسين الأسس المستندة إلى البيانات في وضع السياسات، وتكوين شعور بالتضامن المشترك أثناء الأزمات وضمان أن تكون الخيارات السياسية الصعبة التي يتخذها المسؤولون جديرة بالثقة.

وأخيرا، يجب أن تبدأ الاستجابات الفعالة بإدراك ما يجعل هذه التحديات لا مختلفةً وصعبةً فحسب، بل ذات أهمية فارقة للفقراء. إن الإحجام عن التحرك بشكل شامل وعاجل سيخلق تحديات أكبر في المستقبل. وعلى قدر الأهمية التي يكتسيها التصدي لهذه الصدمات في الوقت الراهن، يجب أن يكون هناك تركيز دائم على الأجندة القائمة للتنمية والمتمثلة في تعزيز النمو الشامل، والاستثمار في رأس المال البشري والأصول الإنتاجية وحمايتها، إذا أرادت بلدان العالم أن تواصل جهودها في مجال الحد من الفقر.

لكن من الضروري والممكن تبديد انتكاسة هائلة للحظوظ كتلك التي نشهدها في جائحة كورونا. لقد تحقَّق ذلك في الماضي، في مواجهة ما كان يعتبر في ذلك الوقت تحديات مستعصية، مثل القضاء على الجدري، وإنهاء الحرب العالمية الثانية، وسد ثقب الأوزون، وسيتم ذلك مرة أخرى في المتُظهِر أحدث تقديرات عن أوضاع الفقر تراجع وتيرة الحد من الفقر في العالم في عام 2017، وهو ما يؤكد الاتجاه الذي لوحظ في الأعوام القليلة الماضية. وأحد أسباب هذا الاتجاه هو تباطؤ وتيرة الحد من الفقر في أفريقيا جنوب الصحراء بالمقارنة بالمناطق الأخرى. وإحدى الرسائل المهمة التي يبعث بها تقرير "الفقر والرخاء المشترك 2020" الذي صدر في الآونة الأخيرة هي أن الفقر المدقع سيكون في معظمه ظاهرة أفريقية في السنوات العشر القادمة.

ومع أن أعداد الفقراء قد انخفضت في الكثير من المناطق، لاسيما منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ، وفي عهد أقرب منطقة جنوب آسيا، فإنه لم يحدث مثل هذا التراجع في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء التي لا يزال معدل الفقر الإقليمي فيها أكثر من 40% في عام 2017. في الواقع، زاد عدد من يعيشون في فقر مدقع في أفريقيا جنوب الصحراء من 416 مليونا في 2015 إلى 431 مليونا في 2017، وذلك على الرغم من تراجع طفيف في معدل الفقر في المنطقة. ونتيجةً لهذه الزيادة في أعداد الفقراء المدقعين في المنطقة، أصبحت أفريقيا جنوب الصحراء تضم 63% من فقراء العالم. وشهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في السنوات الأخيرة أيضا زيادةً في أعداد الفقراء، جاءت أكبر مساهمات فيها من الاقتصادات المُتأثِّرة بالصراعات بالمنطقة.

على مدار الساعة

فيديو