
يقول مركز الدراسات العربية
إفريقيا هي القارّة الأكثر فقراً في العالم , لكن دون شك هي “الأكثر ثروة” في الوقت نفسه , هذه المفارقة تتجسد في واقع أن القارّة السمراء لا تمثّل سوى 2 بالمائة من إجمالي الإنتاج العالمي بينما تختزن أرضها نسبة 15 بالمئة من البترول الخام في العالم و40 بالمئة من مادّة الذهب الثمينة و80 بالمئة من مادة البلاتين ذات القيمة الإستراتيجية الكبيرة. وهي تمتلك أيضا ثلث حقول المعادن , وهذه الأرقام تؤكد ان إفريقيا هي القارّة صاحبة أكبر ثروة في العالم .
اقرأ أيضا: حمدي أحمد يكتب.. قراءة فى أوراق أبى احمد السياسية
ومع ذلك إفريقيا هي أرض البؤس والأوبئة ونقص الخدمات العامّة والمرافق الصحيّة , والمسؤول عن ذلك يكمن بالدرجة الأولى في “آلة النهب” أو عمليات النهب التي تستهدف الثروات الإفريقية وعلى رأسها البترول وحقول المعادن في الكثير من دول القارة مثل نيجيريا والنيجر وأنغولا وجنوب إفريقيا وغينيا.
ويمكن الكشف عن حالة الفساد المتغول الذي تمارسه الشركات العالمية الكبرى على صعيد مختلف مراحل استغلال الثروات الطبيعية الإفريقية وتقديم المستفيدين الرئيسيين من «آلة النهب» وتصنيّفهم في فئات ومجموعات من طبيعة المافيا تضمّ رجال أعمال فاسدين ومسؤولين في الإدارات الحكومية وشركات متعددة الجنسيات عملاقة.
ويتم الحديث في هذا السياق عن عصابات وسادة حرب نهّابين يتنقلون بحقائب مليئة بالأوراق المالية بحيث يبدو أن القارئ أمام رواية بوليسية بينما أن الأمر يتعلّق بعملية نهب حقيقية لثروات مستخرجة من أرض إفريقيا لتصل إلى بلدان على بعد آلاف الأميال.
وإذا كانت هذه الورقة تتعرّض لدراسة مجموعة من الحالات فى البلدان الإفريقية فيما يتعلّق بتأثير “آلة النهب” عليها، فإنها أيضا تناقش الآثار السلبية المترتبة على ما يسمي بلعنة الثروات في إفريقيا التي لا ينال أغلبية الأفارقة أيّة فائدة منها، بل على العكس تتردّى أحوالهم على عكس البلدان التي عرفت كيف توظّف ثرواتها لصالح مواطنيها.
ويبقى الأفارقة هم الأكثر فقراً بين مختلف قارّات العالم بالتأكيد بأشكال مختلفة على المسؤولية الاجتماعية والإنسانية لأولئك الذين يلجؤون بوعي كامل إلى استخدام “آلة النهب” المبرمجة لثروات القارّة الإفريقية بحيث يتم تفريغها من ثرواتها.
أفريقيا المنهوبة
تقدم هنا شهادات موثقة حول سرقة الثروات الطبيعية لأفريقيا بواسطة الشركات الضخمة المتعددة الجنسية وحكام بعض دول القارة من عملاء دول الغرب الذين زرعهم الاستعمار الأوروبي قبل رحيله بعد أن لقنهم أساليب النهب والسلب وطرق التآمر علي شعوبهم وبث الفتن والحروب الأهلية بينهم وبين أبناء الدولة الواحدة بل والقبيلة الواحدة حتي يستمر نزيف الدم الأفريقي وينشغل أبناء القارة بحروبهم وضحاياهم عما يجري من استنزاف لثروتهم.
وفي السنوات العشر الأخيرة يبدو أن أمراض الشرق الأوسط قد انتقلت الي أفريقيا, فدخل الارهاب ليعصف بسلام عدة دول بالقارة. فالمتطرفون أدعياء الاسلام لم يكتفوا بالفقر والمرض واستنزاف الغرب للثروات الطبيعية وسوء الخدمات التي يعاني منها الأفارقة لكنهم عاثوا في الأرض فسادا يزرعون أحقادهم ويبثون سمومهم ويقتلون النساء والأطفال ويغلقون المدارس والمستشفيات ويشعلون نيران الكراهية بين أبناء الوطن الواحد والقبيلة الواحدة.
من أبرز هذه الجماعات بوكو حرام وداعش , البلاء الجديد الذي بعد أن نشر سمومه في الشرق الأوسط يتجه الآن إلي أفريقيا ولم يعد غريبا أن نري شباب القارة يهربون منها عبر زوارق الموت ليعملوا عبيدا جددا عند الأسياد القدامي في أوروبا.
هناك باحثون يرون أن أفريقيا رغم الاستقلال لم تبرأ ثقافيا من عصور الرق والاستغلال ويتصورون أن بصمات تجارة العبيد الأفارقة يمكن قياسها في الدول التي كانت فيها تلك التجارة مزدهرة فالدول التي انتعشت فيها هذه التجارة هي الآن الأقل نموا والأكثر اضطرابا وتخلفا.
وهناك باحثون يرون أن الأسباب تنحصر في عدد من العوامل الخارجية مثل مساندة الدول الأوروبية القوية للحكومات الديكتاتورية التي كانت تقهر شعوبها خلال سنوات الحرب الباردة, والسياسات الاقتصادية التي فرضتها علي الأفارقة في الثمانينات المؤسسات المالية الغربية والتي طالبتهم بعدم الاستثمار في التعليم والصحة وبقية الخدمات التي هي ضرورية للمواطن الأفريقي.
ومن الباحثين من يلومون ضعف القيادات منذ أن حصلت عشرات الدول الأفريقية منذ الستينات علي الاستقلال, وهؤلاء يرون أن العالم الخارجي كان غاية في السخاء والكرم تجاه أفريقيا وأن المساعدات التي حصلت عليها القارة في العقود الأخيرة تمنعها من أن تلوم الغرب لعدم قدرتها علي النهوض بظروفها الاقتصادية والاجتماعية.
إعادة بناء الكونجو
تعرض هذه الورقة عدة نماذج لأفراد ومؤسسات وشركات ضخمة في عصر العولمة وأساليب استنزافهم لثروات القارة مستخدمين أبوابا غير مشروعة وغير أخلاقية.
فعلي سبيل المثل “أوجستين كاتومبا موانك” كان محاسبا شابا في أحد بنوك جنوب أفريقيا بعد أن ترك موطنه الأصلي في الكونجو لفشله في الحصول علي عمل, لكن أصدقاءه أقنعوه بالعودة الي بلاده للمساهمة في إعادة بناء جمهورية الكونجو الديموقراطية والتعاون مع حكومتها الجديدة برئاسة “لوران كابيلا”.
وبعد عام واحد فوجئ “كاتومبا” بمكالمة تليفونية من رئيس الدولة القادم من إقليم كاتنجا الذي ينتمي اليه “أوجستين” أبلغه فيها بقرار تعيينه حاكما علي الإقليم الذي تبلغ مساحته حجم فرنسا والقيام في نفس الوقت بإدارة واحد من أغني مناجم الماس في العالم.
كان هذا القرار بداية صعود “أوجستين كاتومبا” السريع إلي الثروة والسلطة الي جانب الرئيس ضمن أعضاء الشبكة من المقربين التي تضم كبار المسئولين في حكومة الكونجو ورجال الأعمال الأجانب وأعضاء جماعات الجريمة المنظمة الذين ينهبون ثروة الكونجو الهائلة.
لقد حولوا خمسة بلايين دولار من أموال الدولة إلي جيوب شركات خاصة لا تقوم بأي استثمارات في البلاد, ولكن بعد أن اكتشفت جريمتهم أنشأ كاتومبا حكومة ظل لسرقة خزينة أموال الدولة وشراء الناخبين ورشوة المؤيدين لهم.
أحد الشهود من أعضاء العصابة قال إن كابيلا كان يحصل علي الأقل كل أسبوع علي أربعة ملايين دولارا تملأ حقائبه من شركات التعدين. أما ملايين الفقراء من أبناء الشعب فهم ضحايا لعنة الثروة في واحدة من أكثر دول العالم فقرا بالرغم من الثروة الهائلة التي تقع تحت أقدامهم. تبين أن هناك كما يقول بيرجس- أكثر من حكومة ظل في عدة دول أفريقية تقوم بنهب ثروات البلاد. لكن بينما يؤكد المؤلف استنزاف ثروات افريقيا بواسطة القوي الخارجية إلا أنه لا يغفل تواطؤ القيادات المحلية.
أنجولا
جماعة “فوتنجو” التي تضم رجالا من أنجولا يسيطرون علي ثروة البلاد الهائلة من البترول ويحققون منها دخلا كبيرا كما يستخدمونها لحماية النظام الذي يقهر شعبه.
جوزيه إدواردو دوي سانتوس .
ذكرت مجلة فوربس الأمريكية ذات الاهتمام بشئون المال والاقتصاد أن إبنته “إيزابيل” هي أول مليارديرة أفريقية وعندما قام صندوق النقد بمراجعة حسابات الحكومة الوطنية في أنجولا إكتشف خبراء الصندوق أنه بين سنوات2007 وحتي2010 اختفي32 مليار دولارا من خزينة البلاد وهو مبلغ يساوي ربع عائدات الحكومة سنويا من إنتاجها من النفط والمعادن.
على الرغم من أن السلام تحقق في أنجولا منذ عام2013 الا أن الحكومة تنفق18% من ميزانيتهاعلي رجال “فوتنجو” الذين يسيطرون علي قوات الجيش والشرطة التي تحمي نظام “دوسانتوس” الذى حكم البلاد لمدة 34 عام وهو ما يقدر بأكثر مما ينفق علي التعليم والصحة معا بنسبة40%.
والمأساة أن عددا من قادة الدول في أفريقيا اتخذوا من أنجولا مثالا لنهب ثروات بلادهم
لكن النظام في أنجولا يعتمد علي بعض اللاعبين الذين هم جزء من النظام العالمي وعلي التجاهل المتعمد من آخرين لتبرير الفقر الذي يعاني منه الشعوب فحكومات الغرب لاتزال صامته أمام تجاوزات الحكومة في انجولا والبنوك الكبري وشركات البترول العالمية وتجار السلاح وحتي خبراء صندوق النقد وهؤلاء يقومون بعملية التغطية علي جرائم الحكومة.
في عام2010 بلغت صادرات أفريقيا من البترول والمعادن333 مليار دولار بما يساوي سبعة أضعاف قيمة المعونات التي تلقتها القارة والتي اتجهت إلي طرق بعيدة عن التنمية والاستثمار والدول الأفريقية لم تحصل في الواقع سوي علي نسبة قليلة جدا من عائدات صادراتها.
ويمكن الكشف عن دور المؤسسات المالية بقيادة البنك الدولي وصندوق النقد والشركات الضخمة التي تساندها والتي تمارس الضغوط علي الدول الأفريقية لقبول الحد الأدني من عائدات صادراتها من ثرواتها الطبيعية تحذرها من قيام الحكومات بادارتها وتملكها كقطاع عام وهنا سوف ترفض المؤسسات الأجنبية الاستثمار في هذه الثروات.
كما يتم شرح أساليب الشركات الأجنبية للتهرب من دفع الضرائب المستحقة علي صادراتها بما يضاعف من أرباح الشركات الأجنبية وبمساندة من حكوماتها وبما يؤدي الي خسائر فادحة للأفارقة.
وهنا مثالا صارخا آخر لنهب ثروات أفريقيا من النيجر التي هي من أفقر دول العالم رغم من أنها من أكثرها إنتاجا لليورانيوم وتصدره منذ عقود لفرنسا التي سبق واستعمرتها عشرات السنين ليتبين أن شركة أريفا الفرنسية التي تحتكر شراء اليورانيوم وتصديره تدفع لحكومة النيجر5,5% فقط من قيمته في السوق العالمية, وتفاصيل تعاقد الشركة الفرنسية مع حكومة النيجر لايعلن عنها
إفريقيا هي اكثر القارات ثروة وأشدها فقرا فقد أصيبت بلعة الثروات الطبيعية لكون نخبة خلفها الأستعمار تنهب الثروات وتحرم الشعوب حتى اصبحت ترمي بنفسها فى البر والبحر فى هجرات متواصلة بامواج بشرية من الجياع لأن إمكانات بلدانها نهبتها النخب الحاكمة فيها تركتها لمثيرها المحتوم كان على هذه الأمواج البشرية التخلص من النخب التى تركها الأستعمار وتطرد الشركات متعددة الجنسيات التى بقيت تنهب ثروات القارة بمشاركة النخب الإفريقية الحاكمة الفاسدة بدل أن تذهب فى هجرات ضخمة كتلك التى تفعلها الحيوانات فى منطقة سيرنكيتي .