ابحاث البنك الدولي الصادرة من جديد عن الفساد والشفافية وخدمة الدين العام

سبت, 07/25/2020 - 12:56

مازالت جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) تحصد المزيد من الأرواح في أنحاء العالم، ومع أنه من السابق لأوانه فهْم التأثير الكامل للجائحة من حيث تدفقات رأس المال والديون، فمن الواضح أن هذه الأزمة ستزيد -لا محالة- أعباء البلدان الأشدّ فقرا في العالم، وتؤدي إلى سقوط ما بين 71 مليون شخص و 100 مليون في براثن الفقر المدقع قياسا على أساس خط الفقر الدولي البالغ 1.90 دولار للفرد في اليوم . وسعيا إلى الحد من تداعيات الجائحة، ضاعفت مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي جهودهما لتقديم دعم مالي للبلدان النامية. واستجابةً لدعوة مشتركة للعمل أطلقتها مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، أعلن وزراء مالية مجموعة العشرين أن الدائنين من الجهات الثنائية الرسمية سيسمحون اعتبارا من أول مايو/أيار وخلال ما تبقَّى من العام 2020 بتعليق سداد أقساط خدمة الديون المستحقة على البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية والتي تطلب إمهالها في السداد . إنَّ تعليق سداد مدفوعات خدمة الديون الثنائية مبادرة واسعة الأثر ستحقق منافع حقيقية للسكان في البلدان الفقيرة، لاسيما البلدان التي لا تملك الموارد المالية اللازمة لمكافحة أزمة فيروس كورونا، مع تجنب أزمة سيولة والتخلف عن سداد الديون.

وخلال هذا الوضع الهش وغير المستقر، من الضروري توافر القدرة على قياس هذه الالتزامات المتصلة بالديون قياسا كميا دقيقا. ومنذ عام 1952، يطبق البنك الدولي نظاما لإبلاغ البلدان المدينة عن ديونها يتضمَّن القياس الكمي التاريخي للديون، والمنهجيات المُتبعة، ومعلومات إجمالي الدين. ولمساندة الجهود المقترحة لتخفيف أعباء الديون، أنشأت مجموعة بيانات التنمية التابعة للبنك الدولي قاعدة بيانات مُفصَّلة لأرصدة وتدفقات الديون للبلدان المؤهلة للاستفادة من تخفيف الديون في إطار مبادرة تعليق مدفوعات خدمة الديون.

وتُحدِّد قاعدة البيانات أقساط خدمة الديون السنوية والشهرية المتوقع أن يحين أجلها خلال عامي 2020 و2021 والمستحقة للدائنين من الجهات متعددة الأطراف والثنائية التي يمكن دعوتها لتخفيف أعباء الديون حسب مقتضى الحاجة. وكانت العناصر الأساسية للبيانات المستخدمة في حساب مدفوعات الديون في المستقبل هي شروط الإقراض للدائنين فرادى ومجموعات. واستندت هذه التقديرات إلى رصيد الديون في نهاية عام 2018 بالنسبة لأداة مُعيَّنة من أدوات الدين (مثل القروض). وستُسهِّل هذه البيانات التحقُّق من سلامة سجلات المدين والدائن ومطابقتها على مستوى أكثر تفصيلا بكثير. ويمكن الحصول على مزيد من المعلومات من مذكرة تقديرات مدفوعات خدمة الديون: ما الذي نقيسه.

ما الذي تُظهِره البيانات؟

من استعراض بيانات الديون، تبيَّن لنا أن القطاع العام في البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية لا يزال يعتمد اعتمادا كبيرا على مصادر التمويل الرسمية المُيسَّرة: فأكثر من 80% من رصيد الديون مستحق لدائنين من الجهات الرسمية متعددة الأطراف والثنائية. وقد أُتيح لمعظم البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية الوصول إلى السوق من خلال إصدار السندات، وتسهم مصادر التمويل الخاصة الأخرى أيضا بنسبة لا يُستهان بها من الديون العامة والديون المضمونة من قبل الحكومة: نحو 17% من الديون المتراكمة و24% من إجمالي التزامات خدمة الديون لعامي 2020 و2021.

وكانت إحدى الملاحظات المهمة حدوث تحوُّل في التمويل الخارجي للبلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، أو ما يُعرَف بتدفقات الديون ’فيما بين بلدان الجنوب‘ أو الإقراض من الاقتصادات متوسطة الدخل إلى الاقتصادات منخفضة الدخل كما أوضحت في الآونة الأخيرة مقالات في مجلة ذي دبلومات ومجلة إيكونوميست. ومن بين بلدان مجموعة العشرين، هناك تسعة بلدان لديها مؤسسة رسمية واحدة أو أكثر لاعتمادات التصدير، ونصفها على الأقل لديها برنامج أو آلية نشطة للمعونات لتقديم التمويل المُيسَّر. ويتمثل الدافع وراء الإقراض الثنائي من قِبَل البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل في أحوال كثيرة في الحاجة إلى تمويل التجارة الدولية وتسهيلها وتشجيعها، وكذلك تعزيز أجندتها للتنمية. ولذلك، فإن نسبة كبيرة من التمويل الخارجي المُقدَّم تأخذ شكل اعتمادات تصدير أو ضمانات مرتبطة بشراء سلع وخدمات في البلد المُقرِض.

تساعد لوحة البيانات التفاعلية هذه على تصور مدفوعات خدمة الديون الشهرية المتوقع أن يحين أجل استحقاقها خلال عامي 2020 و2021 بالنسبة للبلدان المؤهلة للاستفادة من مبادرة تعليق مدفوعات خدمة الديون.

في سياق ارتفاع مستويات الدين العام، أصبحت شفافية الديون بالغة الأهمية لعدة أسباب: ينبغي للمؤسسات الدائنة إجراء تقييم كامل لقدرة البلدان المقترضة المحتملة على تحمل أعباء الديون، ومن الضروري أن يكون المواطنون قادرين على مساءلة حكوماتهم عن الديون التي تقترضها، وعلى البلدان المقترضة تصميم استراتيجيات تستند إلى فهم واضح لمستوى وتكاليف/ مخاطر ديونها.

وتتمثل إحدى ركائز شفافية الديون في نشر بيانات دقيقة وشاملة وفي الوقت المناسب أولًا بأول. وحتى يتسنى الحصول على صورة كاملة عن مدى نجاح البلدان في هذه التدابير، أعد البنك الدولي خريطة بيانية ملونة تعرض ممارسات نشر بيانات الدين العام في البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية. وفي هذا الإطار، نقوم برصد مئات من مواقع السلطات الوطنية المتاحة للجمهور على شبكة الإنترنت لتقييم أداء البلدان وفقًا لمؤشرات رئيسية مثل إمكانية الوصول إلى إحصاءات الديون ونطاق تغطيتها ومعدلات تواترها، ووجود استراتيجية للديون وخطة سنوية للاقتراض. ويجري تحديث هذه الخريطة البيانية الملونة كل ستة أشهر بهدف تعزيز جهود البلدان الرامية إلى تحسين استراتيجيات النشر لديها.

 

وتظهر نتائج التقييم الذي تم إجراؤه في أبريل 2020 أن ما يقرب من نصف البلدان التي شملها بحثنا تنشر استراتيجية متوسطة الأجل للديون على الرغم من أن أقل من 10٪ من هذه البلدان تترجم هذه الاستراتيجية إلى خطط سنوية للاقتراض. لكن لا تزال هناك فجوات: لا تزال معايير الإفصاح عن الديون ضعيفة للغاية في 36٪ من البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية، والبيانات إما غير متاحة أو غير كافية أو متقادمة للغاية بحيث لا يمكن الاعتماد عليها (قبل 2018).

وهذه أول حلقة من سلسلة الأدوات التي يطرحها البنك الدولي لصياغة أجندة شفافية الديون. وستتناول الحلقات التالية شفافية أطر إصدار الديون المحلية وسلامة الأطر القانونية لإدارة الديون. فتابعونا للاطلاع على أحدث المستجدات!

لمعرفة المزيد عن من الأدوات المتعلقة بإدارة الديون والشفافية، يمكن الاطلاع على دليل البنك الدولي لمخاطر الديون والمالية العامة

يرجع التزام البنك الدولي بمساعدة البلدان في مكافحة الفساد إلى عام 1996 عندما ألقى رئيس مجموعة البنك الدولي، جيمس وولفنسون، خطابه عن "سرطان الفساد". وكانت هذه هي المرة الأولى التي قام فيها رئيس البنك الدولي بالتشديد على هذه القضية ووضعها بصورة مباشرة على أجندة مجموعة البنك الدولي.

ومنذ ذلك التاريخ، وقع العديد من الأحداث. ففي 1996، لم تكن قوانين الحق في المعلومات مطبقة إلا في 22 بلدًا فقط مقارنة بما بلغ 123 بلدًا اليوم. وتجدر الإشارة إلى أن ثورة البيانات المفتوحة لم تبدأ بعد؛ وذلك لأن التكنولوجيا والتوجه العام لا يدعمان هذا الانفتاح في معظم البلدان. وفي ذلك الحين تم وضع تصورات لمواثيق عالمية تحدد المعايير المحددة مثل اتفاقية منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي لمكافحة الرشوة و اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، ولكنها لم تُفعل. وهناك مواثيق أخرى تم إطلاقها مثل مبادرة الشفافية في مجال الصناعات الاستخراجية (EITI) وأصبحت الآن في طور النضج. وأود الإشارة إلى أن لجنة جائزة نوبل لم تعترف بعد بالاقتصاد السلوكي حتى الآن. ولم يسمع أحد عن التكنولوجيا الحكومية، ولم يتم إنشاء شراكة الحكومة المفتوحة بعد. ولم يكن شائعًا وجود مصطلحات مثل التدفقات المالية غير المشروعة والمشتريات الإلكترونية، وكانت فضيحة وثائق بنما وتسريبات لواندا آنذاك في رحم الغد. ولم يسمع أحد وقتها عن جائحة فيروس كورونا.

ومكافحة الفساد لا توفر الأموال وتوقف السلوك السيئ فحسب، بل تساعد أيضًا في تحقيق مجموعة واسعة من أهداف التنمية.  وعليك أن تفكر للحظة في الأساليب العديدة التي يمكن للفساد من خلالها أن يقوض تنمية رأس المال البشري . ويؤدي وجود عمالة وهمية متغيبة تُصرف لهم مستحقات دون عمل، ورشاوى في عقود الوجبات المدرسية وتزوير الشهادات العلمية إلى إضعاف فاعلية الإنفاق المرتبط بالتعلم. كما تؤدي الرشوة والاحتيال في شراء الأدوية أو المعدات الطبية إلى خفض معدلات البقاء على قيد الحياة والحد من قدرة الأطفال على النمو والازدهار. كما يمكن أن يؤدي الفساد في مشروعات البنية التحتية وبين شرطة المرور إلى وجود طرق غير آمنة، وإضعاف رأس المال البشري وتقويض سبل الوصول إلى الفرص.

قد تطور الفساد على مدى العقدين الماضيين، لا سيما، في حقبة التصدي لجائحة كورونا. وفي المقابل تتطور الأساليب التي ننتهجها.

 وبناء عليه، من الضروري أن يواكب نهج البنك الدولي لمكافحة الفساد هذا العصر. فما الذي ينبغي لنا أن نقوم به على نحو مختلف؟ تحدد مبادرات مكافحة الفساد - التشديد على الالتزام بأولوية التنمية نهجًا يُستند إلى 5 مبادرات.

ضرورة القواعد والمعايير العالمية في صياغة السياسات وضمان قيام الحكومة باتخاذ ما يلزم من إجراءات. وفي هذا الإطار، يكون المنظور العالمي للبنك الدولي مفيدًا للغاية. وقد أظهر التقدم المحرز في تجريم الأفعال الفاسدة وتعزيز الشفافية قيمة هذه المعايير. فهل يمكن تحقيق النتائج نفسها من خلال زيادة الاتساق في النُهج الخاصة بتحديد المستفيدين الحقيقيين من المعاملات وإدارة تضارب المصالح ومعالجة المجالات الأخرى؟ وكيف يمكننا تتبع التقدم المحرز على هذا الصعيد على نحو أفضل؟ وتطرح المبادرة العالمية للمعايير والرصد بعض محاور التركيز.

غالبًا ما يأتي الفساد في صورة معاملات، ولكن يمكن أيضًا أن يكون جزءًا لا يتجزأ من الشبكات، وهو ما يهيئ مجال التربح أمام النخبة السياسية والشركات التي تتمتع بعلاقات مع السلطة والأجهزة المعنية.  وفي ضوء ما تعلمناه عن السلطة والعمل السياسي وأنشطة الأعمال والفساد، هل يمكننا بذل المزيد من الجهد للتصدي لمحاولات التحكم في مفاصل الدولة؟ الحقيقة أن مبادرة السلطة والمال تأخذ على عاتقها هذا التحدي.

قيمة الشفافية في حد ذاتها. من نافلة القول أن الوصول إلى المعلومات حق أساسي للإنسان.  والسؤال هو كيف يمكننا الاستفادة من التكنولوجيات الجديدة لتحليل تدفقات البيانات للأنماط التي لم نتوقف عندها، وإشراك أصحاب المصلحة والمعنيين بالأمر على نحو أفضل في أنشطة الرقابة والمساءلة، وتحقيق الإنصاف والعدل عند تقديم الخدمات مع مراعاة أن تلبي هذه الخدمات احتياجات طالبيها. وتدعم مبادرة الشفافية شديدة الوضوح الجهود المبذولة للتصدي لهذه التحديات.

يأتي الفساد في جميع الأشكال، ويمكن أن تختلف هذه الأشكال ولكن على نحو ممنهج. وحتى يتسنى مكافحة شبكات المحسوبية والوساطة في الجمارك، على سبيل المثال، يجب أن تكون هناك نُهج مختلفة عن تلك المطلوبة لمكافحة الاختلاس في الشركات المملوكة للدولة أو الرشوة في المحاكم. ومنذ 13 سنة، وهناك العديد من أوجه الفساد التي حددت الأساليب الخاصة بقطاعات معينة. ومن شأن وجود نهج قطاعي أن يساعدنا على تحديث أعمالنا بما يواءم التغيرات في التكنولوجيا وطرق التفكير.

يعرض التعريف الشائع لعبارة "إساءة استخدام المنصب العام لتحقيق مكاسب خاصة وشخصية" صورة لشخص منفرد يرتكب أخطاء ومخالفات. وفي كثير من الحالات، يحصل هؤلاء على المساعدة من موظفي البنوك والمحامين والمحاسبين، وأحيانًا في ولايات قضائية وبلدان خارج حدود الدولة وفي المراكز المالية في البلدان المتقدمة. فماذا عن سلوك الشركات والأفراد؟ تسلط مبادرة مكافحة ميسري الفساد الضوء على ما يمكن القيام به في الوظائف والمناصب والمواقع التي تسهل الفساد وتستغل التقاليد الاجتماعية الراسخة المحيطة بالراشي والمرتشي.

وسنتناول بشيء من الاستفاضة كل مبادرة من هذه المبادرات في سلسلة من المدونات. وقد تطور الفساد على مدى العقدين الماضيين، لا سيما، في حقبة التصدي لجائحة كورونا. وفي المقابل تتطور الأساليب التي ننتهجها لتواكب التحديات العالمية والمحلية التي تواجهها البلدان اليوم، بالإضافة إلى الفرص الجديدة التي تقدمها التكنولوجيا، والرؤى السلوكية وآفاق العلوم السياسية، والمجتمع العالمي المتنامي الذي يركز على المعايير والقواعد، والشراكات. وتشير هذه المدونة إلى الواقع الجديد وتحدد خارطة طريق للعمل على نحو وثيق مع الحكومات والشركاء الدوليين والمجتمع المدني كي تسير جهود مكافحة الفساد في مسارات واتجاهات جديدة مع التشديد على أن مكافحة الفساد تمثل أولوية من أولويات التنمية.

على مدار الساعة

فيديو