كلمة رئيس مجموعة البنك الدولي عند صدور التقرير السنوي للبنك

سبت, 09/29/2018 - 11:06

 

 

ليس من قبيل المبالغة أن أقول إن التحديات في عالمنا اليوم قد تبدو هائلة. ففي عملنا في مختلف أنحاء العالم، نواجه أزمات متداخلة، مثل تغير المناخ، والصراعات، والأوبئة، والكوارث الطبيعية، والنزوح القسري. وفي الوقت نفسه علينا أن نساعد البلدان المتعاملة معنا على معالجة الأزمات الملحة، وبناء قدرتها على مواجهة التحديات التي تلوح في الأفق، والقيام باستثمارات دائمة للاستعداد لمستقبل يكتنفه الغموض. 

لكنني حتى في خضم أصعب الأوقات، لم يحدُني التفاؤل يوما أكثر من الآن بأن بمقدورنا تحقيق هدفي البنك: إنهاء الفقر المدقع بحلول عام 2030، وتعزيز الرخاء المشترك فيما بين أفقر 40% من السكان في جميع أنحاء العالم. وفي مختلف مؤسسات مجموعة البنك الدولي، نقوم بتسخير التكنولوجيات الجديدة وتطوير أدوات مالية مبتكرة لدفع عجلة التقدُّم المحرز في المحاور الثلاثة لإستراتيجيتنا لبلوغ ذلك. وتتمثل هذه المحاور في: تسريع وتيرة النمو الاقتصادي الشامل والمستدام؛ وبناء القدرة على مواجهة الصدمات والمخاطر؛ ومساعدة البلدان المتعاملة معنا على الاستثمار في شعوبها. 

أولا، لتسريع وتيرة النمو الاقتصادي المستدام والشامل، نحتاج إلى رؤية جديدة لتمويل التنمية - رؤية تساعد على جعل نظام السوق العالمي يصب في مصلحة الجميع وفي مصلحة كوكبنا. ففي عالم تصل فيه تكلفة تحقيق الأهداف العالمية إلى تريليونات الدولارات سنويا، مع بقاء قيمة المساعدات الإنمائية الرسمية متجمدة عند مليارات الدولارات، لا يمكننا إنهاء الفقر من دون اعتماد نهج مختلف اختلافا تاما. 

وباعتماد مبادئ هامبورغ في يوليو/تموز 2017، وافقت مجموعة العشرين على نهج جديد نطلق عليه اسم "النهج التعاقبي Cascade"، وهو ما سيقود إلى بلوغ هدفنا الرامي إلى تعظيم تمويل التنمية. ويعمل البنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية والوكالة الدولية لضمان الاستثمار معا على نحوٍ أوثق لخلق الأسواق واستحداث حلول تعتمد على القطاع الخاص في قطاعات كالبنية التحتية والزراعة والاتصالات السلكية واللاسلكية والطاقة المتجددة والإسكان ميسور التكلفة.

ثانيا، لبناء القدرة على مواجهة الصدمات والتهديدات والمخاطر – حتى مع مواصلتنا تطوير بنية تحتية مراعية للتغيرات المناخية وتحسين أنظمة الاستجابة- فإننا نحتاج إلى أدوات مالية مبتكرة لمساعدة البلدان الفقيرة على أن تحذو حذو البلدان الغنية فيما تقوم به منذ وقت بعيد، ألا وهو: إشراك أسواق رأس المال العالمية في تحمل مخاطر الأزمات. وفي ربيع هذا العام، شهدنا أول تأثير لصندوق التمويل الطارئ لمواجهة الأوبئة، عندما قدم منحة عاجلة لتعزيز جهود التصدي لوباء إيبولا في جمهورية الكونغو الديمقراطية. وبفضل هذا الصندوق - وصندوق آخر مماثل نعكف على إنشائه لرفع مستوى الاستجابات للمجاعات ومنع وقوعها- فإننا نعمل على إيجاد طرق جديدة لمساعدة البلدان الأشدّ فقراً على إشراك أسواق رأس المال في تحمل المخاطر، مما يساعد على كسْر دائرة الذعر والإهمال التي تحدث كثيرا عند وقوع الأزمات. 

لكن بناء القدرة على المواجهة يجب أن يبدأ مع الخطر الوجودي الذي يشكله تغيّر المناخ. فعندما عدنا إلى باريس في ديسمبر/كانون الأول 2017 للاحتفال بالذكرى الثانية للتوقيع على اتفاقية باريس للمناخ، طرحنا على الطاولة أكثر من 12 اتفاقا لتمويل إجراءات كبيرة متعلقة بمكافحة تغير المناخ، مثل منع تآكل السواحل في غرب أفريقيا، والتوسع في مشروعات الطاقة المتجددة في أنحاء العالم. وكان مهمًا أن نكون قدوة تحتذى في هذا المضمار، حيث أعلنا أننا لن نمول أنشطة التنقيب عن النفط والغاز بعد عام 2019، وأننا في الوقت نفسه سنساعد البلدان على إيجاد طرق مستدامة لتحقيق أهداف التنمية الخاصة بها. 

ثالثا، للاستعداد لمستقبل يتوقع ألا يشهد إلا تسارعا في وتيرة الأدوات المبتكرة، يجب أن نجد طرقا جديدة لمساعدة البلدان على زيادة حجم وفاعلية الاستثمار في شعوبها. فوظائف المستقبل ستتطلب مهارات معقدة ومحددة، وسيصبح رأس المال البشري موردا ذا قيمة متزايدة. وبفضل مشروع رأس المال البشري الذي أطلقناه هذا العام، نعكف على تطوير مقياس دقيق وتفصيلي لرأس المال البشري في كل بلد. 

في الاجتماعات السنوية في إندونيسيا في أكتوبر/تشرين الأول 2018، سنميط اللثام عن مؤشر رأس المال البشري، الذي يرتب البلدان وفقا لجودة استثماراتها في رأس المال البشري للجيل القادم. وسيضع ترتيب البلدان هذه المسألة مباشرة أمام رؤساء الدول ووزراء المالية، وذلك كي يمكنهم تسريع وتيرة الاستثمارات في شعوبهم، والاستعداد لدخول اقتصاد المستقبل. 

في مختلف أنحاء العالم، مازال الطلب على التمويل والمعرفة الفنية والأدوات المبتكرة مستمرا في الارتفاع. وهذه الاحتياجات هائلة - لكن تكلفة الإخفاق في توفيرها ببساطة باهظة للغاية. وتساعدنا البلدان المساهمة في مواجهة هذا التحدي بموافقتها على زيادة تاريخية قدرها 13 مليار دولار في رأسمال البنك، مما سيدعم قدرة مجموعة البنك الدولي على الحد من الفقر، والتصدي لأعتى التحديات في زماننا، ومساعدة البلدان المتعاملة معنا - وشعوبها - على تحقيق أسمى طموحاتها وتطلعاتها. 

هذا العام، ارتبطت مجموعة البنك الدولي بتقديم نحو 67 مليار دولار من التمويل والاستثمارات والضمانات.

ومازال البنك الدولي للإنشاء والتعمير يشهد طلبا قويا من جانب البلدان المتعاملة معه على خدماته، حيث ارتفع مجموع الارتباطات التي قدمها إلى 23 مليار دولار في السنة المالية 2018. وفي الوقت نفسه، قدمت المؤسسة الدولية للتنمية 24 مليار دولار لمساعدة البلدان الأشدّ فقراً - ويمثل ذلك العام الأضخم من حيث ارتباطات المؤسسة حتى الآن. 

وقد استفدنا هذا العام من القاعدة الرأسمالية القوية للمؤسسة الدولية للتنمية وطرحنا أول سند للمؤسسة. وزاد الطلب من المستثمرين على السند الجديد البالغ قيمته 1.5 مليار دولار على 4 مليارات دولار. وبالمزج بين تمويل المانحين التقليدي للمؤسسة الدولية للتنمية والأموال التي تتم تعبئتها في أسواق رأس المال، سيؤدي هذا الإجراء المالي المبتكر إلى توسيع قدرة المؤسسة على مساندة البلدان الأشدّ فقراً في العالم، بما في ذلك مساندة الجهود الرامية لمنع نشوب الصراعات. 

وقدمت مؤسسة التمويل الدولية أكثر من 23 مليار دولار من التمويل لتنمية القطاع الخاص في العام الماضي، بما في ذلك 11.7 مليار دولار تمت تعبئتها من شركاء الاستثمار. وذهب حوالي 6.8 مليار دولار من هذه الأموال إلى بلدان مؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية، وجرى استثمار أكثر من 3.7 مليار دولار في مناطق متأثرة بأوضاع الهشاشة والصراع والعنف. 

وأصبحت الوكالة الدولية لضمان الاستثمار، التي مضى على تأسيسها ثلاثون عاما، ثالث أكبر مؤسسة على صعيد بنوك التنمية متعددة الأطراف من حيث تعبئة رأس المال الخاص المباشر لصالح البلدان منخفضة الدخل ومتوسطة الدخل. وهذا العام، أصدرت الوكالة رقما قياسيا قدره 5.3 مليار دولار من أدوات التأمين ضد المخاطر السياسية وضمانات تعزيز الائتمان، مما ساعد على تمويل مشروعات بقيمة 17.9 مليار دولار في البلدان النامية. وقد تضاعف مبلغ الإصدارات الجديدة والتغطيات الضمانية القائمة - الذي بلغ 21.2 مليار دولار هذا العام - تقريبا مقارنة بمستواه في السنة المالية 2013.

إننا نعلم أن زيادة رأسمال مجموعة البنك الدولي في عام 2018 كانت بمثابة تصويتٍ قوي بالثقة في جهاز موظفينا الذين يعملون دون كلل لإنهاء الفقر في مختلف أنحاء المعمورة. إن تفانيهم في العمل وقدرتهم على الوفاء بالتزاماتنا الطموحة لتلبية تطلعات وطموحات الشعوب التي نخدمها يشكلان مصدر إلهام لي كل يوم.

لكنني أعرف أيضا أن الزيادة في رأس المال تمثل في الوقت نفسه تحديا هائلا يحتم علينا العمل بمزيد من الكفاءة والفاعلية؛ وإذكاء روح الابتكار؛ وتسريع التقدم نحو بلوغ عالم لا مكان فيه للفقر في نهاية المطاف. وفي العام المقبل، سنضاعف جهودنا مرة أخرى للتصدي لهذا التحدي كل يوم.

 

Image

 

جيم‭ ‬يونغ‭ ‬كيم

رئيس‭ ‬مجموعة‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‬
‭ ‬ورئيس‭ ‬مجلس‭ ‬المديرين‭ ‬التنفيذيين

على مدار الساعة

فيديو