
لقد اصبح النفاق والتملق مهنة متأصلة فى بلادنا مما قضى نهائيا على الأخلاق الفاضلة التى ورثناها عن الأجداد والمأخوذة من تعاليم الإسلام فقد نهى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم عن النفاق الخلقي والنفاق نوعان نفاق عقدي ونفاق خلق فالنفاق العقدي اصحابه فى النار بنص القرآن العظيم أما النفاق الخلقي فهو رذيلة دنيئة ومفسدة للأنسان وللمجتمعات ففى الحديث الشريف أحثوا التراب فى وجود المداحين أو إذا رأيتم المداحين فأحثوا التراب فى وجوههم أو كما قال عليه السلام وقال تعالى فى سورة الفتح :
وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَٰافِقِينَ وَٱلْمُنَاٰفِقَٰاتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَٰتِ ٱلظَّآنِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ ۚ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ ۖ وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ ۖ وَسَآءَتْ مَصِيرًا
يقول أحد الكتاب فى مؤلفه : فهل يغر الأخ بأخيه، وهل يخون الأخ أخاه، وهل يصبح الكذب هو القيمة السائدة بين الأصدقاء؟!!.
عُرضت المسألة وحكيت القصة على أهل العلم، فأنكروها قيماً، واستهجنوها واقعاً مريراً، ورأوا أن خللاً يسود في قلوب المسلمين يفسد عليهم حياتهم، وأن مَن يكون هذا شأنه (كذب في الحديث، وخيانة عند الأمانة، وخلف في الوعد، وفجور في المخاصمة) ما هو إلا منافق مخادع، ماكر كاذب، تنطبق عليه صفات المنافقين في السلوك والأعمال، وله من الله عقاب منافقي العقيدة، وأن مصيره الدرك الأسفل من النار.
وجاء الكتاب في تمهيد عن نفاق الصحبة (النفاق الاجتماعي) (النفاق الأخلاقي)، ثم كان الحديث عن ضرورة اكتشاف ظاهرة النفاق.
ثم تحدثت عن مفهوم النفاق وحقيقته، ولم أنس التعرض لبيان نفسية المنافق.
وفي إطار كشف خصال المنافقين بيَّنت التصور القرآني للنفاق، وكذا التصور النبوي.
ومن التصور القرآني والنبوي تبينت خصال المنافقين، وأنواع النفاق، وصور النفاق.
وتحدثت عن الموقف والواجب تجاه المنافقين، والذي يتمثل في جملة أمور، منها:
1- النهي عن موالاتهم والركون إليهم.
2- زجرهم ووعظهم.
3- عدم المجادلة أو الدفاع عنهم.
4- جهادهم والغلظة عليهم.
5- تحقيرهم وعدم تسويدهم.
6- عدم الصلاة عليهم.
وعرضت تنبيهات مهمة:
أولاً: التفريق بين المداهنة والمداراة والنفاق.
ثانياً: التفريق بين النفاق وما يعرض للقلب من الغفلة والتغير بعد الخشوع والإخبات.
ثم بينت مبدأ النفاق ومنبته ومكمنه، ومدارج النفاق، وكيف تنمو ظاهرة النفاق في المجتمع.
وفصلت القول في مظاهر النفاق: النفاق الوظيفي، والنفاق الأسري، والنفاق الاجتماعي، والنفاق العلمي، والنفاق العبادي.
والمنافقون أنواع ودرجات، منهم:
الشخص الكذاب، والشخص النمام، والشخص المتطفل، والشخص المداهن، والشخص الحاسد، والشخص الوصولي.
ولمزيد من المعرفة بينت للناس أساليب النفاق، ومنها:
1 ـ تشويه الحقائق وتحريفها:
2 ـ التشكيك:
3 ـ بث الإشاعات:
4 ـ دس الأفكار المنحرفة والمفاهيم الخاطئة:
5 ـ إثارة روح الاختلاف والنزاعات:
6 ـ إثارة المشاكل والصعوبات لإعاقة مسيرة الحياة:
7 ـ إعطاء تصورات خاطئة أو مزيفة عن أعداء المسلمين:
8 ـ التجسس وخدمة العدو الخارجي.
9ـ التزلف إلى الناس بحلو الكلام.
10 ـ المبالغة في الحديث والوصف.
11ـ عدم المصداقية.
12 ـ مدح الذات وذم الآخرين .
كما بينت أهم صفات المنافقين:
1 ـ أنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم.
2 ـ أنهم يخادعون المؤمنين.
3 - يفسدون في الأرض بالقول والفعل.
4 ـ يستهزءون بالمؤمنين.
5ـ يحلفون كذبًا ليستروا جرائمهم.
6 ـ موالاة الكافرين ونصرتهم على المؤمنين.
7 ـ العمل على توهين المؤمنين وتخذيلهم.
8 ـ تدبير المؤامرات ضد المسلمين أو المشاركة فيها.
9 ـ ترك التحاكم إلى الله ورسوله.
10 ـ طعنهم في المؤمنين وتشكيكهم في نوايا الطائعين.
11 ـ إعراضهم عن الجهاد.
وللتحذير من المنافقين بينت علامات النفاق ومعالمه، والتي تتمثل في:
الارتباك.
التذبذب في المواقف.
والبذاء.
والتقاعس.
والتبرير الكاذب.
والانتهازية.
ثم فصلت القول في بيان مظاهر النفاق في حياتنا من خلال نماذج من التعاملات وعرض للمشكلات، وكيف كان للنفاق أثر سيء في الحياة؛ فالنفاق سوس ينخر حياتنا، فنميمة بعد مشورة أفسدت الحياة، وقد أفقد المشغل الخاص لأحدهم، والنفاق أخطبوط عملاق أوصل أحدهم إلى أبواب المخدرات، وجعل الآخر يخسر زوجته.
وبيَّنت آثار النفاق، وأنه يفسد القلب، ويُنبت فيه الحقد والحسد، فيبادر المنافق إلى الغش والمكر.
وجعلت فصلاً مستقلاً للحديث عن كيفية التعامل مع المنافقين.
وكان للشعر كلمته، فذكرت قصائد شعرية عن النفاق الاجتماعي.
ولما كانت الأشياء تتميز بضدها، ذكرت خصال الصحبة الصالحة، وما يكدر صفو الأخوة، من التهاجر والتدابر، والجدال والمراء، والحسد، والتنافس على الدنيا، والأثرة وحب الذات، والسخرية والتهكم.
فمتى تكون حياتنا صدق على طول الخط، ووفاء بالوعد دائم، وحفظ للأمانة.
وختمت القول ببيان آداب معاملة الناس.
وفي الختام أسأل الله تعالى أن يجعلني من أه الصحبة الصالحة، والأخوة الصادقة، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم.
علاء الدين زعتري
تمهيد
نفاق الصحبة
(النفاق الاجتماعي)
(النفاق الأخلاقي)
النفاق أخطر خصلة عرفها الخلق في عالم الأحياء ذوي الإرادات الحرة وهو أسلوب الشياطين الأعظم للإفساد والتضليل والإغواء.
فعندما تعيش بزمن يكون الصدق فيه يعنى الكذب، ويكون الكذب فيه يعنى الصدق فهي نهاية العالم، وعلامات لا تبشر بالخير.
وإن الحديث عن النفاق يعد من الأمور الكاشفة للخبث الذي يتبعه المنافق في صوره الظاهرة والباطنة, والنفاق مرتبط ارتباطا وثيقا بالفتن الداخلية والخارجية.
ومع كثرته وتنوع أساليبه؛ فإنه يصح أن يسمى هذا الزمان بعصر التفنن في النفاق والتآمر، واتساع الجيوب وكثرة العيوب.
ويُعَدُّ النفاق من أسوأ الأخلاق الاجتماعية، وأقبح الصفات التي عرفتها البشرية عبر العصور والدهور، ولم تَخْلُ منه أمة من الأمم، ولا شعب من الشعوب.
فهو داء عضال، وانحراف خلقي في حياة الأفراد، والمجتمعات، والأمم، فخطره عظيم، وشرور أهله كثيرة، وتبدو خطورته الكبيرة حينما نلاحظ آثاره المدمرة على الأمة.
وإذا نظرت إلى النفاق نظرة فاحصة لوجدته طبخة شيطانية مركبة من جبن شديد، وطمع بالمنافع الدنيوية العاجلة، وجحود للحق، وكذب.
ولك أن تتخيل ما ينتج عن خليط كهذا!!.
والنفاق مثل أي أمر, يبدأ صغيرا ويكبر ويتطور في وسائله وتتغير صفاته مع ممارسته الكثيرة!
ولقد كان النفاق على مدار التاريخ سببا قاتلاً ومميتاً للمجتمعات, وهو من بين الأمور التي تطورت مع مرور الأجيال وأصبح يأخذ أشكالاً متعددة وألقاباً ومسميات كثيرة.
غير أن المنافق يظل مخادعاً، أسود السيرة لا يحبه الناس ولا يفرطون ـ إذا ما بانت لهم حقيقته ـ في معاقبته أشد عقوبة يستحقها لخداعه من حوله ولكشفه أسرارهم!
والنفاق ظاهرة اجتماعية في المجتمع انتشرت وتفشت بشكل مخيف وتحولت إلى وباء، يشكو منه الناس أصحاب المعدن الأصيل الذي لم يلن أو يتلون مع الزمن، بينما يعتبره المنافقون سياسة والسياسة شطارة.. يا حسرتاه!!
وقد ظهر النفاق كحالة من عدم الوضوح في اتخاذ المواقف بين الخير والشر، وبين الحق والباطل، حيث يميل صاحبه مع الأهواء حيث مالت، ويدور مع المصالح حيث دارت، متستراً وراء الخير والحق.
وتزداد بشاعة النفاق وسوء الفعل عند ظهوره بين أتباع الرسالات السماوية، وهم الذي يُفترَض أن تكون أخلاقهم قد هُبت بتهذيب الدين، وصفاتهم وأخلاقهم قد تحولت واتجهت نحو الخير والحق والصلاح.
فماذا لو كان الشخص من أتباع خاتم النبيين وإمام المرسلين محمد e؛ يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويعتقد بالإسلام ديناً، وبالقرآن إماماً؛ يقرأ فيه صفات المؤمنين، وأخلاق الصادقين، كما تعرف على أفعال الكافرين ليتجنبها، وقرأ سوء النوايا وخبث الطوايا عند غير المسلمين، كي لا يقع فيها.
والنفاق في مفهومه الخاص صفة أولئك الذين يظهرون الإسلام, ويبطنون الكفر، لكن الـنفاق له معنى عام واسع يشمل كل ازدواجية بين الظاهر والباطن, وكل افتراق بين القول والعمل.
ومن الملاحظ - وللأسف الشديد - أن كثيراً من الناس يفتشون عن دين تهواه أنفسهم.
لذا تجدهم لا يرغبون في توجيهات حازمة تأخذهم بالشدة والصعوبة، بل يبحثون عن ما يجعلهم يسترسلون في أهوائهم ورغباتهم، ويبرر لهم تملصهم من مسؤولياتهم وتقاعسهم عن أداء مهماتهم العبادية.
وهذه هي العلامة الفارقة بين الإنسان المنافق وغيره، وعلينا أن نحول هذه الميزة إلى رؤية لاكتشاف الفئة المنافقة في المجتمع، وأن نعوّد أنفسنا على استخدام ذات هذه الرؤية لاكتشاف نفاقنا في بعض الأوقات.
وإذا ما اكتشف أحدنا أنه مؤمن، صادق، مخلص؛ فليحذر من أن يُعجب بنفسه، ويصيبه الغرور.
فمن الممكن أن يتحول غداً إلى إنسان منافق، وما عليه إلا أن يحاسب نفسه، ويعيد النظر فيها بين الحين والآخر.
إن المنافق أسوأ حالاً من الكافر، فهو حين يقـوم بالفرائض العبادية فإن قيامه هذا لا ينبع من اعتقاد صحيح في قلبه، بل يصدر من المراءاة، وربما خوفاً من المجتمع الذي يحيط به.
ولتحذير القرآن من التردد والتذبذب بين الإيمان والكفر، أو بين الحق والباطل، أو بين الخير والشر، كانت السورة القرآنية الأطول (سورة البقرة) قد بينت أصناف الناس في اعتقاداتهم وأخلاقياتهم، على ثلاثة أصناف:
ـ مؤمنون، وتحدثت السورة عنهم بخمس آيات.
ـ كافرون، واكتفت السورة بالحديث عنهم بآيتين.
ـ منافقون، وأسهب السورة بذكر أفعالهم وأقوالهم وأخلاقهم بثلاث عشرة آية.
وكأن الآية تريد أن تشير إلى أن اللافت للنظر أن من اختار طريق الكفر والضلال فأمره في المعالجة يسير؛ حيث عُرِف حاله، فاجتُنِبَت إساءته، وساء عليه ءأنذرته أم لم تنذره.
وأما قضية بناء الشخصية الإنسانية الراقية بكمال الإيمان؛ فإنها تحتاج إلى عمل وجهد، فجاء الحديث عن المؤمنين وصفاتهم في خمس آيات.
والدرس الأكبر كان في بيان المرض الذي يصعب الشفاء منه، ألا وهو النفاق، كما هو المرض الخطير الذي يصيب جسداً؛ فإنه لا يشغل صاحبه فقط، بل يعيق حركة من حول المريض؛ انشغالاً به، ومحاولة معالجته، وتخليصه من آلامه، سواء الأطباء ومساعدوهم، أو أهل المريض وأصدقاؤه، فالكل مشغول به، وقد يطول زمن مرضه، فيبدأ التذمر، إ ليس هو بميت ميؤوس من حياته، ولا هو صحيح يقوم بأعماله بنفسه.
هذا التشبيه المادي لظاهرة النفاق هو ذاته في العمل الأخلاقي؛ حيث يحتار المتعاملون مع المنافقين على أي أساس يعاملونهم؟!!، وما هي أسس أخلاقياتهم؟، وما هي منطلقات سلوكياتهم؟.
فالمنافق مذبذب السلوك، متردد الحال، متلون في المواقف، قد تعلم من مدرسة (إبليس) وتصرف بأساليب (الشيطان) في الإفساد والإغواء والخداع والتضليل.
ومنذ أن خلق الله (آدم) أبا البشر بدأت مهمة (إبليس) وأتباعه وأعوانه في التشويش على الناس؛ حيث سعى هو وجنوده، لابسين أقنعة النفاق لإغراء الناس في الوقوع في الشهوات والمعاصي، وإغواء الناس ليتنكبوا الصراط المستقيم؛ عداوة وكيداً ليكونوا مع (إبليس) في نار جهنم معاً.
ومنذ أن خلق الله آدم مَهَرَ (من المهارة) إبليس أسلوب النفاق فسعى هو وجنوده لابسين أقنعة النفاق لإغراء وإغواء بني آدم بغية صدهم وإبعادهم عن الصراط المستقيم عداوة وكيداً حتى يكونوا من أهل النار.
(إن النفاق لآفة فتاكة إن أهملت أدت إلى الأسقام
وقضت على آمالنا في أمة راياتها في البحر كالأعلام)([1]).
والمنافقون موجودون في كل زمان ومكان، لا تكاد تخلو منهم فترة من فترات التاريخ لأن مبررات وجودهم قائمة، أو يمكن أن تقوم في كل حين.
والنفاق ظاهرة لا يقتصر خطرها على المجال الديني؛ وإنما نجد المنافقين منبثين في كل واقع الحياة، فإن المنافق لا ينافق في الدين وحده، بل ينافق مع أخيه الإنسان.
والنفاق ظاهرة لا يقتصر خطرها على المجال الديني؛ وإنما نجد المنافقين منبثين في كل واقع الحياة، فإن المنافق لا ينافق في الدين وحده، بل ينافق مع أخيه الإنسان.
والمنافقون اليوم أشد خطورةً على كيان الأمة الإسلامية و على دعائم الإسلام من أي وقت مضى، نتيجة لتعدد أساليبهم و تجدد أسلحتهم، لذالك يجب أن تُعد العِدد من أجل أخذ الحيطة و الحذر من خطرهم على ديننا و إسلامنا.
و النفاق اليوم أصبح ظاهرة تكاد أن تكون ابتلاءً عاماً، فإذا نظرنا إلى أحوال الناس و الأمم: نجد أن النفاق هو الساهر على حماية أهدافهم ومصالحهم، وأن الأخلاق قد هجرت حياتهم، وأن الفضيلة قد تهاوت تحت أقدامهم، وإن الحضارة العارية عن الأخلاق إنما هي الدمار و الخراب.
وإن النفاق اليوم أشد خطراً على الأمة وللأسف من أي وقت مضى، حيث أصبح النفاق ظاهرة تكاد تكون عامة، فترى المنافق في هذا الزمان ساهراً على حماية أهدافه ومصالحه، كما يُلاحَظ هجر الأخلاق الفاضلة، وتهاوى الفضائل لمصلحة علو مكانة الرذائل.
فمنهم من تكون غاية نفاقهم الإيقاع بالمسلمين وتمزيق صفوفهم وإيقاد الفتن بينهم بدافع من أنفسهم، أو بإيعاز من غيرهم فيندسّون بين الصفوف لغاية في نفوسهم (نفاق العقيدة).
ومنهم من يكون مبرر نفاقه تحقيق بعض المصالح الدنيوية، فيستر بستار التقوى والدين كيما يصل إلى مراده (نفاق المعاملة).
ومنهم من يكون نفاقه خلقا ذميما درج عليه لا ينفك عنه، وطبعا أصيلا لا يكاد يبارحه أو يفارقه (نفاق الأخلاق).
ومنهم من يتوسل بالنفاق ليكون من الحكام في حظوة، ومن بطشهم في نجوة! (نفاق التزلف).
ومنهم من يتوسل بالنفاق ليحظى بغرض زائل، وجاه حائل يبيع دينه بدنياه! (نفاق الجاه).
ولقد تفشى بين الناس (النفاق الاجتماعي) حيث تخلل مناحي حياة المجتمع وهو الذي يقف وراء تكريس الفساد الإداري في جميع الإدارات، ويرسخ في سلوك الناس عادة الإرشاء والارتشاء، ويعمل على جعل المحسوبية حاضرة في العلاقة مع الناس، وهو وراء انتشار الأمراض الاجتماعية المختلفة.
والمنافقون يتلونون بألف لون ليصلوا لقلوب الناس أو ليصلوا لقلوب من يحتاجون إليهم فقط، والسؤال المطروح: هل من الصواب أن يكون المرء منافقاً ليصل إلى أهدافه.
وليس أضر على الشعوب والأمم من النفاق إذا استشرى بين أبنائها، فتعوَجُّ الأخلاق، وتضطرب أحوال الناس، وتنحرف سبل معايشهم، نتيجة انعدام الثقة، وفقدان الهدوء النفسي، والاستقرار الوجداني، والثبات العقائدي.
ولعل من أجمل لحظات عمرك: حين تعيش وسط أفئدة الناس بشفافية بدون نفاق أو مجاملات خبيثة.
وعلى الرغم من عدم قبول الإنسان لنفسه المرض، إلاّ أنه قد يسقط ضحيته.
وعلى الرغم من نفرة الإنسان من الفقر، إلاّ أنه قد يصاب به.
كذلك لا يرضى أي إنسان لنفسه بالنفاق، ولكنه قد يقع في شركه.
غير أن هذا لا يعني أن الإنسان عاجز عن مواجهة النفاق، كما أنه غير عاجز عن مواجهة المرض والفقر.
ويخطأ من يستهين بالنفاق دون أن يحصن نفسه منه، وذلك لأن النفاق يسلب من الإنسان كل صفات الخير، ويحرمه من فعل الصالحات، وينتزع منه كل القيم السامية، حتى يجعله منبوذاً مدحوراً.
ولا نبالغ إن قلنا؛ إننا إذا لم نحذر النفاق؛ فإنه سوف ينفذ إلى قلوبنا من حيث لا نشعر، دون أية صعوبة تذكر.
وعندها ليس من السهل يمكننا التخلص منه، والنجاة من آثاره.
وهذا ما يدعونا إلى أن نحصن أنفسنا من النفاق بسور منيع، ولا يغيب عنا أن مثل هذا السور لا يتم إلاّ بفهم حقيقة النفاق، والاطلاع على مساوئه وسلبياته، وكذلك معرفة صفات المنافقين، وأمثالهم في المجتمع.
ضرورة اكتشاف ظاهرة النفاق:
ومن الضروري أن نكتشف ظاهرة النفاق المرضية بجميع أقسامها وأشكالها، سواء على مستوى الجماعات أم الأفراد، أم على صعيد ظاهرة النفاق نفسها كصفة سلبية لها جوانبها وحالاتها وأبعادها الخاصة بها.
ولذلك فإن من الواجب أن تمتلك الأمة الإسلامية رؤى تمكنها من معرفة الفئة المنافقة وتمييزها عن الفئة المؤمنة، كما إن من الضروري أن يمتلك الفرد المؤمن الرؤية ذاتها لكي يكتشف حالات النفاق التي يبتلى بها هو نفسه بين الحين والآخر.
والآيات القرآنية تمكننا إذا ما درسناها دراسة وافية في تزويد أنفسنا بتلك الرؤية التي تعتبر الآن مهمة أكثر من أي وقت مضى، نظراً لكثرة المتقاعسين والمتملصين من المسؤوليات والمهام الرسالية.
ومن هذا المنطلق وإيماناً منا بخطر النفاق جمعنا هذا الكتاب، وكان لزامـاً على المؤمنين أن يعرفوا معنى النفاق وأبعاده، ليكونوا في حالة جهاد دائم للنفس، وأن يضعوا النفس على المحك المميز ليكونوا على بينة من أمرهم، تحاشياً لحالة الجهالة السامحة لوساوس الشيطان وتآمر النفس.
هذا وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم المنافق وصفا دقيقا لا تخطئه العين فقال فى الحديث الشريف :
آية المنافق ثلاث وفى رواية اربعة إذا حدث كذب وهذه العالمة البين نشاهدها اليوم بأم أعيننا فى أحاديث وخطابات مسئولينا ، وإذا وعد أخلف وهذه والله نراها فيهم تقريبا يوميا ، وإذا أتمن خان وهذه ملاحظة فيهم أيضا فكل من تولى منهم عمل خانه إما بالغش والفساد والإهمال وإما بالتحايل والسرقة والفواتير المغلظة وإما بالأرتشاء وإما بعدم تقدم المؤسسة التى أتمن عليها بحيث تظل بحالها دون تقدم أو تعود أسوء مما كانت عليه أو عين عليها من لا يصلح لها محاباة .
صلى الله عليك يارسول الله فقد عرفتنا تعريفا كاملا شاملا بالمنافقين
المطلوب الآن هو محاربة كل هذا باللسان وبالسنان
سيد ولد مولاي الزين