نهاية الحضارة الغربية ستكون على أيدي الغرب أنفسهم هذا ما يدلنا عليه التاريخ

سبت, 09/24/2022 - 10:36

كتب الصحفي راشيل نوير هذا المقال الذي نشرته البي بي سي سنة الفين وسبعة عشر
شبّه بنيامين فريدمان، الخبير الاقتصادي السياسي، ذات مرة المجتمع الغربي بالدراجة الثابتة التي يُسيّر عجلاتها النمو الاقتصادي، فإذا ما تباطئت هذه الحركة الدافعة إلى الأمام أو توقفت، ستهتز ركائز المجتمع، مثل الديموقراطية والحريات الفردية والتسامح وقبول الآخر، وغيرها، ويغدو العالم مكانا كئيبا، يتنازع فيه الناس على الموارد المحدودة ويرفضون كل من لا ينتمي إلى جماعتهم. ولو لم نستطع إعادة الحركة إلى العجلات، سينهار المجتمع برمته.
وطالما انهارت مجتمعات على مر التاريخ، ولم تخل حضارة، وإن بدت في ظاهرها قوية، من مواطن الضعف التي قد تدفع بالمجتمع إلى الهاوية.
ومهما بلغت الأوضاع من استقرار ورخاء في الوقت الراهن، فإنها قد تتبدل في أي لحظة. وبخلاف الأحداث التي قد تؤدي إلى فناء البشرية، مثل ارتطام نيزك بالأرض أو الشتاء النووي أو الوباء الفتاك، يذكر التاريخ أن انهيار الحضارات مرهون عادة بطيف واسع من العوامل.
فما هي تلك العوامل؟ وهل لاحت بوادر أي منها بالفعل؟ وفي ظل ما يكتنف هذه المرحلة من عدم استقرار وضبابية، هل اقتربنا من نقطة اللاعودة؟
بالطبع لا أحد يمكنه الجزم بما ستؤول إليه الأوضاع في المستقبل، ولكن يمكننا أن نستشف من الرياضيات والعلوم والتاريخ احتمالات بقاء المجتمعات الغربية على المدى الطويل.
يستعين صفا موتيشاري، عالم أنظمة الكمبيوتر بجامعة مريلاند، بنماذج الكمبيوتر للتعمق في فهم الآليات التي قد تؤدي إلى استمرارية المجتمعات المحلية أو العالمية أو انهيارها. وذكر موتشاري وزملاؤه في نتائج دراسات توصلوا إليها ونشرت عام 2014 أن ثمة عاملين أساسيين يسهمان في انهيار المجتمعات، وهما الضغط على الموارد الطبيعية والتفاوت الطبقي.
اضرام متظاهرين النار في سيارة شرطة في جنوب أفريقيا في أعقاب خروج احتاجاجات للمطالبة بالعدالة الاجتماعية سنة 2016
وقد اشتهر العامل البيئي بأنه أقصر الطرق نحو هلاك الأمم، ولا سيما في حالة نضوب الموارد الطبيعية، مثل المياه الجوفية، والتربة، والثروة السمكية والغابات. وقد يزيد التغير المناخي من الأمر سوءا.

البودكاست نهاية
إلا أن موتشاري وزملاءه لا يتوقعون أن يؤدي التفاوت الطبقي بمفرده إلى انهيار المجتمع. فمن شأن النخب، الذين يكنزون الأموال والموارد ولا يتركون للعوام - الذين يفوقونهم عددا ويوفرون لهم الأيدي العاملة - إلا اليسير أو ربما لا شيء، أن يقودوا المجتمع نحو عدم الاستقرار وبالتالي الانهيار.
وفي النهاية، ستضمحل الطبقة العاملة، التي لن تجد ما يكفيها من المال، وسيعقبها سقوط النخب، بسبب غياب العمالة. ويعزى التفاوت الذي نشهده اليوم بين الطبقات وبعضها وبين البلدان وبعضها إلى عدم المساواة في توزيع الثروات.
والشاهد على ذلك أن كمية انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناجمة عن أنشطة أعلى عشرة في المئة من المستثمرين في العالم تعادل ما ينتجه 90 في المئة من سكان العالم مجتمعين من انبعاثات. وبالمثل، يعيش نحو نصف سكان العالم على أقل من ثلاثة دولارات يوميا.
يرى بعض الخبراء أن اتخاذ القرارات الحرجة في الوقت الحالي يفوق قدراتنا السياسية والنفسية. ويقول جورغن راندرز، الأستاذ الفخري في استراتيجية المناخ بكلية بي آي النرويجية للأعمال ومؤلف كتاب "2052: نظرة مستقلبية للعالم في السنوات الأربعين القادمة" إن "العالم لن يصل إلى حل لمشكلة المناخ في القرن الحالي، لأن حل المشكلة على المدى القصير سيكون أعلى كلفة من تقبل الأمر الواقع".
ورغم أننا جميعا نواجه المشكلة نفسها، فإن تداعيات الانهيار ستطال الأكثر فقرا في العالم أولا. ويعد انزلاق بعض الدول في الوقت الراهن إلى التمزق والانهيار بمثابة أول ناقوس إنذار للدول الغنية. ففي سوريا، على سبيل المثال، زادت معدلات الخصوبة في فترة من الفترات إلى حد غير مسبوق، وتسارع على إثر ذلك النمو السكاني. وأدت موجة الجفاف الحادة التي ضربت البلاد في أواخر عام 2000، جنبا إلى جنب مع نقص المياه الجوفية، إلى تقليص الإنتاج الزراعي.
وفي أعقاب هذه الأزمة، تدفق الكثير من سكان القرى، ولا سيما الشباب منهم الذين أصبحوا عاطلين وبلغ منهم السخط واليأس مبلغه، إلى المدن، وفاقت أعدادهم قدرة الموارد والخدمات المحدودة على تلبية احتياجاتهم.
وزادت التوترات العرقية، التي كانت موجودة مسبقا، وشكلت تربة خصبة لنمو العنف والصراعات. والأدهى من ذلك، أن الإدارة غير الرشيدة للبلاد، بما في ذلك تطبيق سياسات ليبرالية جديدة تعزز من نفوذ القطاع الخاص، مثل رفع الدعم الحكومي عن المياه في خضم موجة الجفاف، جرّت البلاد إلى حرب أهلية عام 2011، ما أدى إلى انزلاقها نحو الانهيار.
ويقول توماس هومر ديكسون، رئيس الأنظمة العالمية بكلية بالسيلي للشؤون الدولية بجامعة واترلو في كندا ومؤلف كتاب "الجانب الإيجابي للسقوط"، إن انهيار المجتمع السوري، كشأن الكثير من المجتمعات التي انهارت على مر التاريخ، كان محصلة لعدة عوامل مجتمعة. ويطلق هومر ديكسون على هذه العوامل اسم الضغوط التراكمية لأنها تتجمع بهدوء ثم تنفجر فجأة، لتثقل كاهل أي آليات تحافظ على استقرار المجتمع وتماسكه.
ويقول هومر ديكسون إن ثمة علامة أخرى على أننا ندخل منطقة الخطر وهي زيادة ما يسميه الخبراء بالتغيرات المفاجئة وغير المتوقعة في النظام العالمي، مثل الأزمة المالية في عام 2008، أو صعود تنظيم الدولة الإسلامية، أو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أو انتخاب دونالد ترامب.
ويمكن أن نستدل من الماضي على ما سيحدث مستقبلا. ولو نظرنا مثلا إلى صعود الإمبراطورية الرومانية وسقوطها، سنجد أن الرومان تغلغلوا بنهاية سنة 100 قبل الميلاد عبر البحر المتوسط في المناطق التي يسهل الوصول إليها بحرا. وبدلا من أن يتوقفوا عند هذا الحد، رأوا أن الأمور تسير على ما يرام وشعروا أن لديهم من القوة ما يمكنهم من التوسع أرضا.
بينما كان النقل بحرا موفرا، فإن النقل برا كان بطيئا ومكلفا. وأفرطوا في التوسع والإنفاق إلى حد يفوق طاقة البلاد. ورغم أن الإمبراطورية استطاعات أن تحافظ على استقرارها في القرون اللاحقة، فإن تداعيات المبالغة في التوسع والانتشار لم تظهر إلا في القرن الثالث ميلاديا، الذي شهد الكثير من الحروب الأهلية والغزوات.
وحاولت الإمبراطورية الحفاظ على أراضيها الرئيسية، رغم أن الجيش قد استنفد ميزانيتها ومعدلات التضخم قفزت إلى مستويات أعلى بعد أن خفضت الحكومة سعر العملة الفضية لتغطي التكاليف المتصاعدة. وفي حين يذكر بعض الباحثين أن بداية سقوط الإمبراطورية الرومانية كان سنة 410، بالتزامن مع سقوط العاصمة الرومانية في يد القوط الغربيين، فإن تردي الأوضاع على مدار ما يزيد على قرن من الزمن مهد السبيل لسقوطها.
ويرى جوزيف تينتر، أستاذ البيئة والمجتمع بجامعة يوتا الأمريكية ومؤلف كتاب "انهيار المجتمعات المعقدة"، أن أحد أهم الدروس المستفادة من سقوط روما هو أن بناء مجتمع متحضر معقد كان له ثمن.
إلا أن المجتعات الغربية استطاعت أن ترجئ ظهور العوامل المسببة للانهيار بالاستعانة بالوقود الأحفوري والتكنولوجيا الصناعية، كما حدث في عام 2008، حين طورت الولايات المتحدة تقنية التكسير الهيدروليكي للصخور لاستخراج الغاز الطبيعي لتواجه ارتفاع أسعار النفط.
ولكن تينتر ليس واثقا من أن هذا الوضع سيستمر، ويقول "تخيل ما سنتكبده من تكاليف لو بنينا حواجز حول منهاتن لتحمينا من العواصف وارتفاع منسوب البحر أثناء المد. اللجوء إلى الاستثمار في بناء المجتمع المعقد كوسيلة لحل المشكلات سيؤدي في مرحلة من المراحل إلى تقليل العوائد وإرهاق ميزانية الدولة، ومن ثم يعرضها للانهيار... ما لم نجد طريقة لتوفير المال اللازم لبناء مجتمع متحضر".
وقياسا بالنموذج الروماني، يتنبأ هومر ديكسون بأن انهيار المجتمعات الغربية سيسبقه انحسار الموارد الطبيعية والبشرية في البلدان التي تشهد صراعات. فبالتزامن مع تمزق الدول الأكثر فقرا، في غمرة الصراعات والكوارث الطبيعية، سيتواصل تدفق موجات كبيرة من المهاجرين من المناطق الفاشلة، طلبا للجوء في البلدان الأكثر استقرارا.
وستواجه المجتمعات الغربية هذا النزوح بفرض تضييقات على الهجرة وحظرها إذا لزم الأمر، وإنفاق مليارات الدولارات على إقامة جدران ونشر قوات وطائرات من دون طيار لمراقبة الحدود، وتشديد الإجراءات الأمنية على كل من يدخل البلاد وما يحمله معه، وهذا سيؤدي إلى انتهاج الأساليب الاستبدادية الشعبوية في إدارة البلاد.
وفي الوقت نفسه، سيؤدي اتساع الهوة بين الأثرياء والفقراء في البلدان الغربية الأكثر ضعفا إلى زعزعة استقرار المجتمع من الداخل. ويقول راندرز "مع حلول عام 2050، سينقسم المجتمع في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى طبقتين، إذ تعيش حفنة من الأثرياء في رغد من العيش في حين تتدهور الأوضاع المعيشية للغالبية. ومن ثم ستنهار العدالة الاجتماعية".
ويقول هومر ديكسون، إنه كلما زاد سخط الناس وخوفهم، في أي بلد في العالم، زاد تعلقهم بالجماعة التي ينتمون إليها، سواء كانت دينية أو عرقية أو قومية. وسيلجأ الناس إلى إنكار الحقائق، مثل ظهور مؤشرات الانهيار، ورفضها، حتى لو كانت مثبتة بالأدلة. ولو أقروا بوجود المشكلات، سينحون باللائمة على كل من هم خارج مجموعتهم التي ينتمون إليها، وسيزداد الاستياء والغضب.
ويقول هومر ديكسون معقبا "أنت بذلك تمهّد الساحة نفسيا واجتماعيا لتفشي العنف في المجتمع". وإذا انتشر العنف في الداخل أو عنّ لدولة أخرى أو جماعة مختلفة أن تغزو البلاد، فسيكون من الصعب تفادي سقوط الدولة.
وستشعر أوروبا أولا بوطأة الضغوط، لقربها من أفريقيا، التي تعد الجسر الأرضي الذي يربطها بالشرق الأوسط، وبحكم مجاورتها للدول الأضعف سياسيا من جهة الشرق، أما الولايات المتحدة، فبفضل المحيطات التي تحيط بأراضيها، فستظل بمنأى عن هذه الضغوط لفترة أطول.
وقد لا تلقى المجتمعات الغربية نهاية عنيفة أو مأساوية، إذ أن بعض الحضارات استسلمت للزوال في في هدوء. ويقول راندرز إن الإمبراطورية البريطانية تسير في هذا الاتجاه منذ عام 1918، وربما تسير سائر البلدان الغربية على خطاها. ومع مرور الوقت، ستقل أهمية هذه الدول، وتتخلى عن القيم التي تتشبث بها اليوم تحت وطأة المشكلات التي تدفعها نحو الزوال.
ويرى راندرز أن "الدول الغربية لن تنهار، ولكن ما سينهار هو إدارتها السلسة والطبيعة الودية للمجتمع الغربي في أعقاب تفاقم التفاوت الطبقي. وهنا لن يصمد المجتمع الديموقراطي الحر، وستكون الغلبة للحكومات الأقوى مثل الصين".
لعل بعض هذه التنبؤات تبدو مألوفة، فقد ظهرت بعض علاماتها بالفعل. وبينما لا يستغرب هومر ديكسون تطور الأحداث في العالم على هذا النحو، لأنه تنبأ ببعضها في كتابه الذي صدر سنة 2006، فإنه لم يتوقع أن تحدث قبل منتصف العشرينيات من القرن الحالي.
يقول هومر ديكسون إن انهيار الحضارة الغربية ليس أمرا مفروغا منه، وأنه بإمكان المجتمعات الإنسانية أن تتقدم إلى أعلى مستويات الرفاهية والتطور، لو احتكمت إلى العقل والقانون قبل إصدار القرارات، واتبعت أساليب استثنائية في إدارة البلاد مع تمسكها بالقيم المعنوية والعلاقات الودية.
ويمكننا أن نحافظ على مجتمعاتنا ونرتقي بها، رغم ما نواجهه من ضغوط في ظل التغير المناخي والنمو السكاني وانخفاض موارد الطاقة، إلا أن هذا يستدعي أن نغالب رغباتنا الطبيعية في أن نصبح أقل تعاونا أو كرما أو تعقلا.
ويقول هومر ديكسون "السؤال هو كيف نواجه هذه التغييرات من دون أن نتخلى عما تبقى من إنسانيتنا؟

مما لا شك فيه أن لكل شيء بداية ونهاية إلا جلال ربما سبحانه وتعالى فهو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو الباقي بلا زوال والعالم بجميع الأحوال
لقد بدأت الحضارة الغربية أواخر القرون الوسطى وظلت تنمو نمو الأشجار على اثمرت العلوم والتكنولوجيا الغير مسبوقة فى العالم مستعينة بما أنجزته الحضارة الإنسانية منذ ظهورها فى فجر التاريخ وكان من اسباب تميز الحضارة الغربية هو ولع روادها بالعلم وبالتجارب العلمية والبحث العلمي إضافة إلى روح المغامرة فلا يمكن أن يتقدم أحد فى شيء مالم يحصل على العلم وتكون لديه روح المغامرة فلو لم تكن لدى رواد الحضارة الغربية روح المغامرة لما تمكنوا من أكتشاف هذا الكم الهائل من العلم ولظلوا فى حياة القرون الوسطى إلى يومنا هذا لقد قادتهم روح المغامرة إلى اكتشاف العلوم ومعرفة مجاهيل الأرض فيما بين القطبين ثم تحولوا إلى غزو الفضاء
لكن النهاية لهذه الحضارة حتمية واصحابها هم من يدمرها بأنفسهم ليس عن طريق غزو أجنبي وإنما بالتئاكل الداخلي والشيء الوحيد الذي قد ينقذهم من هذا المأزق هو الدخول فى دين الله الذي أرسل به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الدين الإسلامي الذي هو الأمان من العذاب وهو القادر على تصحيح أخطاء البشر والأخذ بأيدي الناس إلى الصراط المستقيم ومنعهم من الفساد والضلال ولو لا أن الكثير من سكان الغرب يرون مفاسد المسلمين اليوم ويخشون أن يكونوا مثلهم لكان اكثر من ثلثي المعمورة اليوم قد دخلوا فى الدين الإسلامي كافة لكن أوضاع المسلمين اليوم التى من اسبابها تقليد السلوك الغربي جعل الغرب يحجم عن الدخول فى الإسلام رغم علم مثقفيه وفلاسفته بأنه هو دين البشرية جمعاء
لقد استشرف أحد ابناء هذه الحضارة ما ستؤول إليه ليس وحده بل الكثير من كتاب الغرب والدارسين لنظم الحضارات ومعرفة امراضها
كان كتاب صامويل هنتنجتون "صدام الحضارات" هو بداية الاستشعار بالخطر، وعدم الثقة بالهيمنة المطلقة مبيناً بالأدلة والوقائع أن التاريخ لم ينتهِ لصالح الرأسمالية الغربية بسقوط الثورة البلشفية على جدار برلين، ولم تحقق اللبرالية انتصارها الحاسم، وإنما تغيرت طبيعة الصراع من مرتكزات أيدولوجية واقتصادية إلى منطلقات ثقافية وإيمانية النزعة. وينتقل هنتنجتون إلى جوهر الصدام القادم، حيث يقول: "إن عالم ما بعد الاتحاد السوفيتي وجدار برلين يتألف من ثمانية حضارات متنافسة، لكن الصدام المحتمل على المدى القريب سيكون بين ثلاث حضارات هي: (الحضارة الغربية الرأسمالية، والحضارة الصينية، والحضارة الإسلامية)، أما على المدى البعيد فإن هذا الصدام المحتمل سينحصر بين الحضارة الغربية والإسلام. وبذلك كان هذا الكتاب الاستثنائي التوجه الصاعق الفعلي لقنبلة شديدة الانفجار ستتناثر شظاياها على رقعة واسعة، وتصيب الأوساط السياسية والفكرية والإعلامية الغربية بالصدمة.
وسط هذا التنظير الملتبس للنظام العالمي الجديد، والجدل المتزايد لفهم عالم ما بعد الحرب الباردة قام المفكر والسياسي الأمريكي باتريك بوكانان بإشعال فتيل القنبلة في كتابه "موت الغرب"، محذراً الحضارة الغربية من رعب كبير يزحف إلى بيوتهم وأوطانهم وقلوبهم بكل قسوة وضراوة، وليس بوسع أمم الغرب فعل أي شيء لوقف الاحتضار الأخير للحضارة الغربية التي أصبحت تواجه الانقراض والفناء لصالح أمم أخرى؛ فالقرن الأمريكي الثاني يبشر بحالة من الكآبة والخوف على المصير، وضياع الهوية، وتحول المواطن الغربي بمرور الزمن إلى أقلية هشة في مجتمعه الذي شهد موطئ قدم أجداده ومعاركهم وبطولاتهم.
لكن لماذا يشذ بوكانان عن التيار ويقفز من عربة زفاف الحضارة الغربية وانتصار الليبرالية في شوطها الحاسم؟ لماذا يشعر هذا السياسي أن أمة الغرب لم تعد الأمة التي لا يستغنى عنها؟ هل بالفعل هذا هو زمان الحضارة الغربية ولا سبيل لمنازلتها أم أن هذا الأمر مدعاة للسخرية؟! بالنسبة لبوكانان إن الغرب يموت بعد أن أصابته الشيخوخة، وتوقفت أممه عن التكاثر، وتراجع سكانه عن التوالد والنمو، وبدأوا بالانكماش، ولا يقل ذلك تهديداً عن الموت الأسود الذي حصد أرواح ثلث سكان أوروبا قبل ستة قرون.
الصدع الذي أصاب الغرب ليس متعلقاً بالبطالة، أو التضخم، أو قلة الموارد، أو تكلس النظام السياسي، ولكن في العرقية والولاء للوطن؛ فحملات المهاجرين غزت ربوع الغرب، وحملت معها أعراقاً وأجناساً جديدة لا تنتمي للتكوين الديمغرافي البيولوجي الغربي بأي صلة، ولا يربطها بأبناء أوروبا الأنقياء صلة أو أصرة. لا نقول مئات الآلاف، ولكن الملايين من المهاجرين الذين أنجبوا أطفالاً وأنشأوا أسراً وشكلوا داخل المجتمعات الغربية ثقافات جديدة لا تدين لحضارة الغرب بالولاء؛ فالخطر داخل الأبواب ولا مناص من مواجهته قبل فوات الأوان. في المقابل تتراجع معدلات الخصوبة والإنجاب في أمريكا وأوروبا بعزوف الأسرة الغربية عن الزواج الكاثوليكي القديم، والتوجه نحو اللذة، وعدم تحمل المسؤولية، وظهور أسرة ما بعد الثورة التكنولوجية بتكوينها العضوي الأحادي الذي يحظى فيها الأطفال برعاية أحد الأبوين.
ويقدم بوكانان مجموعة من الإحصائيات المرعبة معتمداً على التقارير الصادرة عن وكالة الاستخبارات المركزية، وتقارير الأمم المتحدة، وبعض الدراسات الاستشرافية، حيث يتوقع الكاتب أنه في الفترة الممتدة من عام 2000 حتى 2050، من المرجح أن يصل عدد سكان العالم إلى 9 بليون إنساناً جلهم من آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، في حين سيختفي 100 مليون أوروبياً عن وجه المعمورة، أي أن أوروبا البالغ عدد سكانها 728 مليوناً عام 2000، من المتوقع أن ينكمش إلى 600 مليوناً بحلول عام 2050 وفقاً لتقرير السكان الصادر عن الأمم المتحدة في 28 شباط فبراير 2001. ويشير الكاتب أيضاً إلى أن معدل الخصوبة عند المرأة الأوروبية قد انخفض إلى 1.4 علماً بأن المطلوب 2.1 كحد أدنى لتعويض الفاقد عن الوفيات والمحافظة على توازن المجتمع. لا مجال في هذا المقال لحصر جميع النسب لهذا النزيف السكاني الرهيب، لكن من المهم جداً الإشارة إلى أن هنالك سبعة عشرة بلداً أوروبياً تقام فيها جنازات الدفن أكثر من احتفالات الولادة، وتحمل الأكفان أكثر من الورود.
العدو الحقيقي للغرب
في الماضي كانت بوتقة الانصهار تذيب الجميع، وتندمج داخلها الأعراق والقوميات والألوان الوافدة من خارج الحدود، أما في الوقت الحاضر فإن هذه البوتقة عاجزة عن إذابة وتشكيل الثقافات الأخرى، وبدأت تأخذ لنفسها طابعاً مستقلاً وكياناً ذاتياً تحت مظلة الديموقراطية والتعدد الثقافي، وهذا هو المارد المخيف الذي يهدد حضارة الغرب ويضعف قدرتها على البقاء. من النزيف السكاني الرهيب، وتراجع معدلات الخصوبة، واجتياح جحافل المهاجرين ينتقل بوكانان لمسألة أخرى تنذر بفناء الغرب وانقراضه؛ فالمتأمل في طبيعة النظام الثقافي والنسق الأخلاقي السائد يدرك دون عناء أن أمم الغرب قد تعرضت لثورة اجتماعية وثقافية في العقود الأخيرة بظهور نخب سياسية وفكرية تحتل المناصب الرفيعة الحاكمة، وتعمل على تفكيك المعتقدات والأفكار والقيم، وتغيير منظومة التعليم والتربية والفنون والترفيه؛ لخلق شعب جديد وأمة مهجنة، لا من الناحية العرقية وحسب بل من الناحية الاجتماعية والثقافية وهذا مكمن الخطر القادم.
فالغرب اليوم كما شخصه أحد السياسيين في حالة متزايدة من الصدام بين قوتين متعارضتين تماماً: الأولى قوة ريفية مسيحية محافظة على الايمان والقيم، والثانية متسامحة اجتماعياً ولديها الرغبة في تخيير المواطن الأمريكي بين العلمانية والتدين. وفي هذا الوسط الانتقالي للثقافة والقيم، والمفهوم المنفتح للمعتقد والايمان أصبح الزنا والإجهاض والقتل الرحيم والمخدرات والانتحار من الفضائل والقيم السامية لمجتمعات ما بعد الثورة الثقافية، في حين لم يعد للفضائل القديمة التي عزفت لها الأغاني أي حضور بين أبناء المجتمع الجديد.
يقول بوكانان: "إن الثقافة الجديدة ترفض الله الذي جاء في العهد القديم، وتحرق بخورها على مذبح الاقتصاد العولمي، وغدا الجنس والمال والشهوة والسلطة هو كل ما تبحث عنه أمريكا وتدور حوله". من وجهة نظر الكاتب لم تعد أمريكا دولة مسيحية ذات رسالة عالمية تحمل التبشير والتنصير للأمم الأخرى كما عَرَّفها الآباء المؤسسون بعد أن تنازلت عن الكثير من الفضائل والثقافات القديمة، وفتحها الباب على مصراعيه أمام القيم والمعتقدات الوافدة، وهذا الأمر يطرحها كأكبر دولة مناوئة للمسيحية التي عرفها العالم لأكثر من ألفي عام. الآن يبدو واضحاً أن مبدأ اللذة الجديد، والثقافة المشبعة بالجنس والشهوة، والبحث عن النفوذ، وماكينات طباعة الدولار غير قادرة على تقديم مبررٍ جوهريٍ للإنسان الأوروبي كي يستمر في الحياة بعد أن انفصل هذا الإنسان عن أصله، وتباعد الجسد عن روحه، والتصق بمعتقدات فاسدة وقوانين باطلة سلبت من الحضارة الغربية فطرتها وهويتها.
إذن العدو الحقيقي للغرب ليس الآخر في منطقة الشرق الأوسط، أو أسيا، أو أفريقيا، أو أمريكا اللاتينية، ولكن الغرب ذاته الذي ينقرض بسبب جفاف خصوبته، وموت أخلاقه، وتآكل نظامه الأسري، في حين نسي بوكانان أن الغرب لا بد أن يجني ثماره الفاسدة بإشعاله الحروب، واستباحة الأمم، واسترقاق البشر الذي اعتبره ضرورة حضارية ورسالة سماوية لا بد أن تقودها المسيحية المحافظة والمتسامحة على السواء! لا نقول إن الغرب يتعرض اليوم لعقوبة إلهية، أو انتقامٍ سماويٍ، وإن كان يستحق ذلك، لكن في الوقت نفسه لا يمكننا تفسير هذا الموت المرعب للغرب بمعزل عن سياساته الغاشمة التي صنعت أكفاناً لأمم كثيرة، وحفرت لأخرى المزيد من المقابر
إن الغرب نفسه هو العدو الأول للغرب ويظهر ذلك جليا فى الحروب العالمية ومازال التاريخ يعطينا نماذج من عداوة الغرب للغرب إلى يومنا هذا ..

على مدار الساعة

فيديو