التضخم المالي وأرتفاع الأسعار يفتكان بالأقتصاديات العالمية منذ ظهور الجائحة

أربعاء, 10/13/2021 - 14:59

 

تشهد الأقتصاديات العالمية حاليا موجات من التضخم غير مسبوقة مما ينذر بالخطر والركود الأقتصادي وارتفاع تكلفة المعاش نتيجة ارتفاع الأسعار كما يقضى على نسبة النمو فالدول التى تسجل نسبة نمو معينة سوف يجعلها التضخم كلا شيء فما التضخم وما هي اسبابه وما هو علاجه :

التضخم الاقتصادي هو زيادة واسعة النطاق ومستمرة في أسعار السلع والخدمات في البلاد على مدى فترة طويلة من الزمن، لكن من المستفيد وما هي أسباب التضخم؟

قد يظن المتأمل للوهلة الأولى أن التحكم في أسعار المنتجات هو رهين قرار التجار والمنتجين وما ينتابهم من "جشع"، كما يحب أن يصف البعض، ورغم أن هذا قد يكون سلوكا حقيقيا في بعض الحالات، إلا أنه ليس العامل الأول والأكثر شيوعا.

تناولنا هنا من قبل، أنواع الاقتصاد، وعرفنا كيف أن الاقتصاد الرأسمالي والمختلط (واللذان يشكلان تقريبا أغلب اقتصادات العالم) يعتمدان نوعا ما على مفهوم السوق الحر، بمعنى أن عوامل العرض والطلب هي المتحكم الأول في الإنتاج والأسعار.

شرح الاقتصاد

SHUTTERSTOCK

ما هو الاقتصاد؟ وكيف يعمل لتحقيق رفاهية الشعوب؟

 

وببساطة، لا للحكومات أن تطلق يد المنتجين في مسألة تحديد هذا، فهذا من شأنه أن يفاقم معدلات التضخم الاقتصادي، التي تتسبب في تراجع القدرة الشرائية للمستهلكين داخل اقتصاد الدولة، وبالتالي قد ينجم عنه ركود وضعف النشاط الاقتصادي، وهذا آخر من تتمناه الحكومات.

ومع ذلك، فإنه بضبط الأسعار وفقا للعرض والطلب ومنع المنتجين من الاحتكار والتحكم في السلع، لا يعني بالضرورة تجنب التضخم المتفاقم نهائيا، إذ أن التضخم يحدث نظرا لمجرد وجود نشاط اقتصادي، لكن ما تسعى الحكومات خلفه هو منع خروج الأمور عن السيطرة، وتجنب الركود لأطول فترة ممكن.

تنشط الاقتصادات وتعمل وفق طبيعة دورية، والتي تبدأ بتوسع النشاط الاقتصادي ثم بلوغه مرحلة القمة (أو ذروة النمو) ثم يبدأ في الركود وبعد ذلك يصل إلى القاع (أسوأ مراحل الركود) ثم يبدأ في التعافي.

ولفهم ذلك ببساطة؛ عندما تدور عجلة الإنتاج وينمو الاقتصاد، تكون هناك فرص عمل أوفر، وبالتالي يزيد دخل السكان ومعه يزيد إنفاقهم، وهذا يستدعي مزيدا من الإنتاج لتلبية الطلب المتزايد، ولفعل ذلك تحتاج الشركات مزيدا من العمال، وهذا يخلق فرصا أكبر ويزيد الدخل بشكل أكبر وترتفع أجور العاملين بالفعل نظرا لتنافس الشركات عليهم.

 

في أثناء ذلك، وخلال ارتفاع دخل السكان، يستمر إنفاقهم المتزايد، مع استمرار الأسعار في الارتفاع وفق قانون العرض والطلب. ما يزيد الأمر تأزما، حيث أنه عند مرحلة ما، قد لا تستطيع الشركات مجاراة الطلب المتنامي، وهنا تزيد الأسعار بصورة كبيرة ويتفاقم التضخم الاقتصادي وتضعف القدرة الشرائية.

نتيجة ذلك، يعكف الناس عن الشراء، فيحدث الركود الاقتصادي، وتضطر الشركات إلى خفض الإنتاج وبالتالي تبدأ بتسريح العمالة الزائدة، فيتأزم الموقف الاقتصادي، لحين حدوث توازن طبيعي بين العرض والطلب مدعوما بأسعار مقبولة، فينشط الاقتصاد من جديد.

ولفهم أعمق حول هذه الظاهرة الاقتصادية، دعونا نطّلع على المفاهيم الآتية:

ما هو تعريف التضخم الاقتصادي؟

بداية، يمكن القول إن التضخم يشير إلى زيادة أسعار معظم السلع والخدمات الشائعة أو تلك التي يستخدمها السكان بشكل يومي، مثل الطعام والملبس والمسكن. وببساطة مقياس يجمع متوسط أسعار مجموعة من هذه السلع، تحدد وفقا للسلطة المختصة.

عملة بيتكوين المشفرة

SHUTTERSTOCK

ما هي البيتكوين؟ عملة المستقبل أم حيلة للتحرر من سلطة الحكومات؟

 

يعكس مؤشر التضخم الارتفاع في تكلفة هذه المجموعة من السلع والخدمات خلال فترة معينة، والتي قد تكون شهرية، لكن المؤشر الأكثر شيوعا عادة ما يقيس التغير خلال عام كامل.

أيضا، قد تستخدم كل سلطة داخل الدولة سلة سلع وخدمات مختلفة عن غيرها، بمعنى أن المنتجات التي يقيس البنك المركزي التغير فيها قد تختلف (ولكن قليلا) عن سلة المنتجات التي تستخدمها الحكومة، أو جهاز الإحصاءات في الدولة.

ويعتبر معدل التضخم الاقتصادي مؤشرا عن انخفاض القوة الشرائية للعملة داخل الاقتصاد، ويتم تحديد قيمته بالنسبة المئوية، والتي تعكس كما ذكرنا معدل الزيادة في أسعار السلع والخدمات. في حال كانت النسبة سالبة فهذا يعني انخفاض الأسعار ويسمى انكماشا وليس تضخما.

>> أيضا يجب ان تتعرف علي: ما هي الأزمة الاقتصادية؟ وهل تحدث بشكل متعمد؟

ما أهمية قياس التضخم الاقتصادي؟

تصف مدونة على موقع صندوق النقد الدولي التخضم بأنه أحد أكثر الكلمات شيوعا في علم الاقتصاد، مشيرة إلى أنه تسبب على مر التاريخ في غرق البلدان في فترات طويلة من الاضطرابات وعدم الاستقرار.

كما أنه غالبا ما يكون هدفا للمسؤولين؛ فمثلا يطمح قادة البنوك المركزية دائما لأن يكونوا الأبطال الذين كبحوا جماح التضخم (في حالات نادرة يحاولون زيادته)، وبعض السياسيين يعتمدون في الدعاية الانتخابية على الوعود بالسيطرة على التضخم، وبعضهم فقد شعبيته لفشله في ذلك.

أمثلة على التضخم المدمر

في اليونان عام 1944، وصل معدل التضخم "اليومي" إلى 18%، حيث كانت الأسعار تضاف عشرات المرات على مدار الساعة، وذلك في خضم الحرب العالمية الثانية، بعدما استولى الاحتلال على موارد الدولة، بحسب تقرير "بي بي سي".

ما هي التنمية الاقتصادية

© PHOTO / PIXABAY

ما المقصود بالتنمية الاقتصادية؟ وما الفرق بينها وبين النمو الاقتصادي؟

 

أدى ذلك إلى انهيار الإنتاج، خاصة الزراعي، ونقص الغذاء، ما تسبب في مجاعة كبرى، وتراجعت الضرائب، وقفز التضخم الشهري إلى 13800% في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1944. هذا يعني أن أسعار السلع الأساسية ارتفعت بهذه النسبة عن مستوى الشهر السابق.

شهدت ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى حالة مشابهة، ونظرا للديون المتراكمة اندفعت الحكومة إلى طباعة الأموال، فانهارت قيمة العملة المحلية (المارك)، وتخلفت البلاد عن سداد ديونها في عام 1923، وأدى ذلك إلى احتلال فرنسا وبلجيكا جزءا من الأراضي الألمانية للحصول على مستحقاتهما في شكل أصول ثابتة.

في خضم هذه الأحداث، وصل معدل التضخم الشهري إلى 29500% بحلول أكتوبر/ تشرين الأول من نفس العام. وعلى سبيل المثال كانت تكلفة رغيف الخبز قبل 10 أشهر تبلغ 250 ماركا، لكنها قفزت بعد ذلك إلى 200 مليار مارك.

 

أمثلة الركود المدمر كثيرة، وبينها يوغوسلافيا في التسعينيات، والتي اضطرت لإصدار عملة جديدة في نهاية المطاف، وزيمبابوي في العقد الأول من هذه الألفية، والتي اضطرت إلى استخدام الدولار الأمريكي إلى جانب الراند، والمثال الحي الحالي هو فنزويلا التي تعاني تضخما مفرطا وأزمة سياسية عميقة، وكذلك .

حتى الولايات المتحدة الأمريكية، لم تسلم من التضخم المفرط، وفي السعبينيات عانت من فترة ممتدة من التضخم، الذي وصل إلى 14% سنويا عند مرحلة ما، متسببا في تراجع حاد لقيمة سوق الأسهم، وضعف النشاط الاقتصادي، وزيادة البطالة، بحسب بوابة "أرقام" المالية.

البورصة المصرية

© REUTERS / MOHAMED ABD EL GHANY

ما هي البورصة؟ وكيف تستثمر في سوق الأسهم

 

>> يهذه المناسبة أقرأ أيضا: لبنان في حالة من السقوط الاقتصادي الحر بحسب وول ستريت جورنال

ما هي آثار التضخم؟

كما أشير من قبل، تزايد معدل التضخم الاقتصادي يعني تناقص القوة الشرائية للعملة المحلية ويؤثر هذا على تكلفة المعيشة في بلد ما. فعندما يكون التضخم مرتفعا، تزيد تكلفة المعيشة، مما يؤدي في النهاية إلى تباطؤ النمو الاقتصادي.

لذلك مطلوب باستمرار الحفاظ على مستوى معين من التضخم في الاقتصاد لضمان تعزيز الإنفاق ومنع الناس من الإفراط في ادخار الأموال. قد يستدعي ذلك تدخل السلطة النقدية (البنك المركزي) عبر تغيير سعر الفائدة أو انتهاج سياسة تقلل أو تزيد المعروض النقدي (حسب الحاجة).

بالنسبة للأفراد، ينظر الجميع إلى التضخم بشكل مختلف اعتمادا على نوع الأصول التي يمتلكونها، فمثلا؛ الشخص الذي يمتلك استثمارات عقارية أو سلع مخزنة، يعني له التضخم أن أسعار أصوله ترتفع، أما الذين يمتلكون نقودا، قد يتأثرون سلبا بالتضخم حيث تتآكل قيمة نقودهم.

>> أقرأ أيضا: التضخم السنوي في مصر يرتفع إلى أكثر من 6 % في أول شهور العام المالي الجديد

ما هي أسباب التضخم الاقتصادي؟

التضخم له أسباب متعددة وطبيعية، وأحيانا بعض الأسباب قد تكون مفاجئة وخارجة عن إرادة البشر، لكن أبرز العوامل المسببة له هي:

ارتفاع الطلب أو انخفاض الإنتاج، ما يؤدي إلى خلق فجوة في الأسواق ينجم عنها ارتفاع الأسعار.

ارتفاع المعروض النقدي أو حجم الأموال المتداولة بين الناس، حيث يدفعهم ذلك إلى إنفاق المزيد.

الزيادة في تكلفة إنتاج بعض السلع يؤدي أيضا إلى ارتفاع سعر المنتج النهائي.

قد يرفع المنتجون الأسعار لتغطية الزيادة المتوقعة في أجور العمال الراغبين في مواجهة تزايد تكلفة المعيشة، وهذا يفاقم معدل التضخم.

يمكن للكوارث الطبيعية التي تقلل من الإنتاج المعروض أن تتسبب في التضخم.

ارتفاع أسعار المنتجات العالمية، مثل النفط أو الغذاء، قد ينعكس على التضخم داخل الدول المستوردة.

تلعب التوقعات دورا رئيسيا في تحديد التضخم، فإذا توقع الناس أو الشركات أسعارا أعلى، فإنهم يبنون على هذه التوقعات خلال مفاوضات الأجور وعقود الإيجار، وهذا يسبب التضخم.

التضخم الاقتصادي - دولار

SHUTTERSTOCK

التضخم الاقتصادي

كيف يمكن معالجة التضخم؟

يتوقف ذلك على سبب التضخم في الأساس، إذا كان الاقتصاد يعاني من نشاط محموم، فيمكن للبنوك المركزية، تنفيذ ما يعرف بالسياسات الانكماشية التي من شأنها كبح جماح الطلب الكلي، وعادة يتم ذلك عن طريق رفع أسعار الفائدة.

في بعض البلدان، تربط البنوك المركزية عملاتها المحلية بأخرى وبالتالي ترتبط بسياساتها النقدية (مثل دول الخليج التي تربط عملاتها بالدولار الأمريكي وتتأثر سياساتها النقدية بسياسات مجلس الاحتياطي الفيدرالي).

في بعض الحالات، قد تحدد الحكومة الأسعار بشكل مباشر، عندما تبدو الأمور في طريقها للخروج عن السيطرة بما لا يطيقه المواطن، وعادة ما تؤدي إجراءات تحديد الأسعار هذه إلى تراكم الالتزامات المالية على الحكومة.

يعتمد محافظو البنوك المركزية بشكل متزايد على قدرتهم على التأثير في توقعات التضخم كأداة لخفض التضخم. كلما زادت مصداقية البنوك المركزية، زاد تأثير تصريحاتها على توقعات التضخم.

تشهد الدول الصناعية موجة تضخم وارتفاع أسعار يزداد خطرها على الادخارات والقوة الشرائية والاستقرار الاقتصادي. لماذا تتأثر الدول العربية بذلك أكثر من غيرها؟ وما السبيل الأفضل للحد الارتفاع المستمر في أسعار السلع الأساسية؟

    

default

على خطى جائحة كورونا تشهد غالبية دول العالم منذ اندلاع الجائحة موجة تضخم وارتفاع أسعار تطال الكثير من السلع بنسب متباينة وفي مقدمتها سلع أساسية كالأغذية ومواد البناء. وقد وصل هذا الارتفاع على سبيل المثال إلى معدلات تجاوزت 30 بالمائة على صعيد المواد المذكورة 15 إلى 20 بالمائة للخضروات والحبوب. وفي ألمانيا والعدد الأكبر من دول  منطقة اليورو يتوقع أن تستمر معدلات التضخم على مستوى جميع السلع  لتتراوح هذه السنة بين 4 إلى 5 بالمائة، أي ما يزيد بنسبة 2 بالمائة عن الحد الأقصى الذي حددته حكومات هذه الدول بنسبة 3 بالمائة. أما في الولايات المتحدة فقد تجاوز المعدل المذكور 5 بالمائة.

مختارات

 

تحليل: ليس بالمال وحده نواجه نقص الأغذية في زمن كورونا

مع توجه الدول المصدرة لزيادة مخزونها من الأغذية والأدوية بسبب كورونا، ستكون الدول العربية أمام مشكلة استيرادها حتى لو توفر لدى بعضها المال لذلك. غير أن طريق معظم المشاكل تتحلحل، فما السبيل إليها في العالم العربي؟

 

 

غلاء الأسعار في العالم وسلة المستهلك الفارغة!

 

 

المركزي الأوروبي يخفض سعر الفائدة الرئيسي إلى صفر

 

ولا يختلف الأمر في دول صناعية مثل كوريا الجنوبية، في حين يبدو الوضع أسوأ بكثير في دول أخرى مثل بريطانيا بسبب تبعات البريكست أيضا. وقد وصلت معدلات التضخم العالية إلى القسم الأكبر من الدول العربية خلال العام الماضي 2020. ويتوقع صندوق النقد الدولي معدلات تضخم في مصر والجزائر وتونس والسودان بنسب تتراوح بين 6 وأكثر من 10 بالمائة هذه السنة. وفي الدول العربية التي تعيش أزمات سياسية أو حروب مثل اليمن وليبيا، فيتوقع الصندوق نسب تضخم تتراوح بين 18 و 31 بالمائة. أما في لبنان وسوريا فقد وصل التضخم إلى مستويات مفرطة تراوحت بين 50 و 100 بالمائة خلال السنة الماضية 2020 على صعيد السلع التي لا تدعمها الدولة أو رفعت عنها الدعم.

تضخم تؤجج ناره البنوك المركزية

أدى توقف وانقطاع سلاسل التوريد العالمية ونقص الإمدادات وتوقف الكثير من المؤسسات جزئيا أو بشكل كامل عن العمل لأشهر طويلة بسبب جائحة كورونا إلى تراجع الإنتاج والعرض وارتفاع الأسعار التي يزيد من حدتها ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين والمواد الأولية والوسيطة. وقد صب استمرار البنوك المركزية منذ الأزمة المالية العالمية في اتباع سياسة التيسير النقدي بفوائد لا تتجاوز 0.5 بالمائة الزيت على نار هذه الأسعار التي تدفع الشركات والأفراد إلى الهروب من الادخارات في البنوك لأن الأخيرة تفقد من قيمتها على ضوء معدلات التضخم وانخفاض الفائدة.

وهو الأمر الذي زاد من الطلب على العقارات والسلع الثمينة بشكل أدى إلى ارتفاع مستمر في أسعارها. وزاد من الضغوط التضخمية ضخ البنوك المركزية الغربية تريليونات من الدولار لدعم ومساعدة الشركات والأفراد المتأثرين بالجائحة في وقت ما يزال فيه الإنتاج دون مستوى ما قبل الأزمة، ناهيك عن العراقيل المتزايدة في وجه التجارة العالمية بسبب السياسات الحمائية والحروب التجارية.

بعد هروب الكثير من الأموال للمضاربة بالبورصات، يبقى السؤال إلى متى تسير الأمور دون انهيارات مالية لا تحمد عقباها؟

استمرار خفض سعر الفائدة أدى إلى الهروب من الادخار النقدي إلى إلى البورصة ومجالات أخرى كالعقارات والذهب

تقلبات الأسعار العالمية والأسواق العربية 

ضرب التضخم زيادة الأسعار القسم الأكبر من الأسواق العربية بقوة كونها من أكثر أسواق الدول النامية ارتباطا بالتجارة العالمية التي ارتفعت تكاليفها. وهو الأمر الذي يعكس اعتماد غالبيتها في توفير سلعها الأساسية على الاستيراد بنسبة تزيد على 50 بالمائة. وقد أدى تراجع أسعار النفط والمواد الأولية التي تشكل ما يزيد على 70 بالمائة من الصادرات إلى ارتفاع العجز المزمن في الموازنات الحكومية والموازين التجارية، إضافة إلى تراكم المديونية التي زاد حجمها في بلد كلبنان مثلا على 150 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. في حين وصلت هذه النسبة إلى نحو 90 بالمائة في الأردن خلال العام الماضي حسب مؤسسة التجارة الخارجية والاستثمار الألمانية. وهو الأمر الذي قلص من الاحتياطات النقدية بالعملات الصعبة وأدى إلى تراجع قيمة العملة الوطنية كما هو عليه الحال أيضا في بلدان كالعراق والجزائر.

وفي تونس أدى تراجع السياحة كأحد القطاعات الرئيسية في البلاد بشكل دراماتيكي إلى نتائج مماثلة. أما دول الخليج فقد اضطرت إلى زيادة سحوباتها من احتياطاتها المالية لسد العجز في موازناتها والاستمرار في دعم أسعار السلع الأساسية ولو بشكل أقل من قبل لمنع تدهور القوة الشرائية. وفي الدول العربية الأخرى شهدا هذا الدعم تراجعا أكبر بحيث أضحى متركزا على الخبز والزيت والأرز. 

الفواكه والخضروات من السلع الأكثر تأثرا بجائحة كورونا - سوق خضار في لبنان

التضخم يطال بالدرجة الأولى المنتجات الغذائية التي ارتفعت أسعارها بشكل سريع خلال جائحة كورونا

هل التضخم الحالي مؤقت بالفعل؟

يحلو لسياسيين كثر في الغرب كالرئيس الأمريكي جو بايدن القول أن موجة التضخم الحالية مؤقتة وأن للبنك المركزي كامل الصلاحية في اتخاذ الإجراءات التي يراها ضرورية من أجل كبح جماح ارتفاع الأسعار وضمان تعاف اقتصادي مستدام. غير أن خبراء كثر يخشون من سوء تقدير البنوك المركزية الغربية لحجم المشكلة كما حصل في سبعينات وثمانينات القرن الماضي على حد قول هنريك مولر، الكاتب الاقتصادي بموقع "شبيغل- أونلاين" الألماني.

وقد أدى سوء التقدير هذا إلى وصول نسب التضخم حينها إلى 20 بالمائة. ويزيد من مخاوف تكرار سيناريو مشابه في الوقت الحالي ارتفاع المديونيات الحكومية إلى مستويات مقلقة في الولايات المتحدة ودول رئيسية في منطقة اليورو مثل إيطاليا وإسبانيا. كما يزيده تخبط النخب السياسية الأمريكية والأوروبية في سياساتها الاقتصادية على ضوء الانقسامات المجتمعية التي تزداد حدة وصعود اليمين المتطرف إلى الكثير من البرلمانات وتشكيله معارضة قوية أو مشاركته في تشكيلة حكومات عديدة. وهو أمر يزيد من مخاطر خروج التضخم الحالي عن السيطرة بشكل يهدد بوقوع أزمات اقتصادية جديدة يصعب التنبؤ بتبعاتها الكارثية في ظل استمرار تبعات كورونا والتنافس الاقتصادي الذي تشتد حدته بين الغرب والصين. على ضوء ذلك يبدو أن الوقت قد حان لتدخل البنوك المركزية الغربية من أجل رفع سعر الفائدة واتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من المخاطر القائمة قبل فوات الأوان.

ابراهيم محمد، الخبير في الشؤون الاقتصادية لدى مؤسسة دويتشه فيله

ابراهيم محمد: التضخم في العالم العربي مرتبط بضعف الانتاج المحلي والاعتماد المدمن على استيراد السلع الأساسية

مواجهة التضخم في العالم العربي

أما مواجهة التضخم والحد من ارتفاعه في العالم العربي فمسألة أكثر تعقيدا، لأنه مرتبط بضعف بنية الإنتاج والخدمات المحلية والاعتماد على الاستيراد وقلة مصادر الدخل أو هيمنة عائدات النفط الخام عليها أكثر من ارتباطه بالسياسات المالية. ومن هناك فإن ارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية ينعكس بشكل مباشر وأقسى على الأسواق العربية التي تعاني هي الأخرى  من تراجع القوة الشرائية وارتفاع معدلات البطالة وغياب الحد الأدنى العاملين لدى الدولة التي ما تزال رب العمل الأول والرئيسي في العالم العربي. وعلى ضوء ذلك فإن  السبيل الأنسب للحد من التضخم  يكمن في تنويع بنية الإنتاج المحلي وتعزيزه بشكل يتزامن مع تغيير في العادات الاستهلاكية التي تستنسخ نماذج الاستهلاك الغريبة عن المجتمعات العربية.

وعلى ضوء تجارب دول المزدهرة مثل ألمانيا فإن مثل هذا التنويع ينبغي أن يكون بشكل أساسي من مهام القطاع الخاص شريطة دعم شركاته، لاسيما الناشئة منها ورعايتها ومواكبتها ورفدها بالكفاءات المدربة والقروض الميسرة ومراقبتها من قبل مؤسسات الدولة المعنية. وينبغي لهذه المراقبة أن تتم في إطار قوانين وإجراءات تكفل تكافؤ الفرص على صعيد المنافسة وتمنع الاحتكار والتحكم بمفاتيح الاقتصاد أيا كانت الجهة التي تحاول القيام بذلك.

ومما لا شك فيه أن السبيل للوصول إلى تجاوز ضعف بنية الإنتاج المحلي صعب وطويل، غير أنه بلا شك الأفضل لتنمية مستدامة واقتصاد متوازن أقل تأثرا بالأزمات أيا كان نوعها ومصدرها.

إبراهيم محمد

 

على مدار الساعة

فيديو