
لا أخفيكم سرا أن البلاد لم تشهد تغييرا جذريا فى نوعية إدارتها وممارستها للشأن العام لقد تعاقبت عليها أنظمة من الحزب الواحد إلى عدم التحزب ثم دخلت فى تعددية مشوهة ظل الحزب الواحد فيها يحتكر السلطة كما ظل الجيش وابنائه والخارجين منه والمتقاعدين فيه يحتكرون المقعد الأعلى فى البلد بأستثاء واحد سنة ألفين وسبعة لم يعمر سوى سنة ونصف ومع كل هذه ظلت الإدارة هي الإدارة الموروثة عن المستعمر وظل التسيير للشؤون العامة بحاله وظلت مشاريع الدولة تظهر ثم تختفي ويعاد إحيائها ثم تختفي وكلما بناه نظام ينهدم ويتلاشى مع عاديات الزمن والإهمال ثم يأتي النظام الجديد ويحاول إعادة البناء الأول وهلم جرى هم بذلك كمن يحاكون ألألعاب الدوارة التى تعود إلى نقطة البداية بعد الأنطلاقة أو ما يعرف عندنا بحفر سكان الأرض السفلى ، بالحسانية ) اجهيرت أهل التحت ) التى يقال فى الأسطورة المحلية أنهم يحفرون حتى إذا لم يبق بينهم وبين الخروج إلا شبر أو ذراع يقولون سوف نتمم ذلك غدا ثم ينامون وعند الصباح إذا بهم عادوا إلى نقطة البداية ، نحن هذه البنايات التى تشيد الآن وهذه الطرق وهذه النقط المائية وهذه المشاريع الزراعية وأنظمة الري وأستصلاح الأراضي وهذه المعادن والبترول والناس والسمك وبيع رخص التنقيب كل ذلك فعلته أنظمة سابقة وتلاشى والنظام الحالي يكرر نفس المسار بنفس الأشخاص وبنفس الطريقة وبنفس الإدارة وبنفس الخطاب وبنفس الوسائل بعد عشر سنين من الآن إذا أعطانا الله الحياة سنرى أننا مازلنا فى نفس الوضعية إلا إذا تغير نظامنا تغييرا جذريا وافرز قيادات جيدة وجديدة ووزع عملية البناء على جميع أفراد الشعب خاصة من لم يشاركوا فى عمل الأنظمة السابقة وتغير القانون المعطل لدخول الكفائات الجديدة أقصد نظام الوظيفة العمومية الموروث عن المستعمر وتغيرت الإدارة الإفرانكوفونية وأصبحت وثائق الدولة تصدر باللغة الرسمية الوطنية للبلد وتم إبعاد المفسدين كليا عن ممارسة أي دور رسمي فى البلد وأنتهي أحتكار الحزب الواحد للسلطة ووضع أساس عادل ومستمر لتوزيع ثروة البلد على سكانه دون حيف أو إقصاء
عندها سوف ينهض البلد مثلما نهضت البلدان التى تخلصت من نفس العوائق المكبلة لأنظمتها وانطلقت فى مسار التنمية واضعة نصب أعينها مصلحة البلاد فوق المصالح الحزبية أو الشرائحية أو المحاباتية فبنت وازدرت وتابعت مشاريعها ولم تعد أبدا إلى الوراء كما نفعل نحن الآن وكنا نفعل منقبل ندور المفسدين ونقصي ابناء البلد المخلصين ونمشي على هوى الأستعماريين ونزيد من فترات المتقاعدين بل ونمنع القدماء من التقاعد لكي يظلوا هم أصحاب الشأن فى البلد إلى أن يوافيهم الأجل ونترك الخريجين والعاطلين يظلوا محرومين ولا مكان لهم فى النظام ولا فى الإدارة ولا حظ لهم فى التشغيل وعليهم أن يختاروا بين أمرين كلهما أمر من الحنظل وهما الهجرة إلى الخارج والبحث عن عمل هناك ولو غسيل السيارات والتعرض للإهانات أو البقاء فى البلد عاطلين بلا عمل وإذا قاموا بنشاط يريدون منه الحصول على لقمة العيش إذا بالإدارة الفاسدة بالرشوة والغبن والمحاباة تقف فى وجوههم وتحرمهم من فائدة ذلك النشاط وتمنح حقهم لغيرهم ممن هم قادرون على الوجاهة والرشوة وخطف المنافع من فوق رؤوس الناس